رئيس التحرير
عصام كامل

الثورة المصرية بين الضحية والجلاد ( 1 )


لا ريب أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تدرك بدقة ما تريده من تلك الهبات الجماهيرية التى كانت تندلع فى مصر فى السنوات الأخيرة لحكم مبارك، وكان تفاوضها مع النظام عن طريق جهازه الأمنى قائما على قدم وساق، وقد استقر فى وجدان قادتها أن النظام إن لم تسع هى إليه فسيسعى هو إليها لضمان السيطرة على حركة الجماهير فى الشارع، وفى أحداث 25 ينايـــر2011 م أرتأت قيادتهم عدم المشاركة فى هذه المظاهرات، واتخذوا قراراً بذلك ظناً منهم أنها مظاهرات عادية ستنتهى كما انتهت المظاهرات التى كانت تتـفــجر هـنا أو هــناك على خــلفية المطالب الفئوية، فلا داعى للمغامرة ذات الكلفة العالية من أجل نتائج غير مضمونة على نحو أو آخر، ووقفوا بعيداً يترقبون الموقف وما ستسفر عنه هذه المظاهرات من نتائج، فإن عـــبر النظام الأزمة ومرق منها فهم معه وقد احتفظوا لأنفسهم بموضع قدم فى الساحة السياسية إلى جوار هذا النظام كثمن لعدم المشاركة فى المظاهرات والضغط على النظام، وإن سقط النــظام فلن يسقط أتباعه وأذنابه لأن المستهدف هو الإطاحة بالرأس للحيلولة بينها وبين مسعاها لتوريث حكم مصر.. وفى هذه الحالة كسبت ذات موضع القدم فى الساحة السياسية إن لم يــكن احتــــلال الساحة بكاملها فى ظل رغبة بقايا النظام فى وجود مظلة حماية للنفوذ والمصالح إن سقطت رأس النظام.

ومن هنا كانت تحالفاتها مع القوى السياسية الأخرى المناهضة للنظام تحـــالفات تكتيكية تستهدف استخدامها كأداة لترويع النظام وتركيعه، والحصول منه على أكبر قدر من المـكاســب لصالح مشروع الجماعة، وحلمها فى حكم مصر باعتباره الهدف الاستراتيجى العام ومن هنا لم يكن لديهم مانع من المشاركة فى استقبال محمد البرادعى والمشاركة فى اجتماعات الجمعية الوطنية للتغيير، والتواجد الرمزى فى المظاهرات الفئوية للإيحاء للقوى السياسية الفاعلة على الساحة بأنهم معهم كتف بكتف فلا يتم استبعادهم من جدول أعمال هـــذه الـقــوى، ولا يتــم إدراجهم فى خانة الموالين للنظام وبذلك يكونوا قد كسبوا كل الأطراف إلى صــفهم سواء مــــن عملوا معهم فى العلن أو من عملوا معهم فى السر، والإيحـــاء لكل طــرف بأنهم مضطرون لهذه المواقف فى الظاهر حتى لا ينكشف تعاملهم مع الطرف الآخر.
وهذا ما يفسر إلتجاؤهم للتفاوض مع عمر سليمان سراً فى أول فبراير قبل الاجتماع العلنى الذى حضروه مع باقى القوى السياسية أى أنهم تفاوضوا مع عمر سليمان على أمور لا تعلمها القوى السياسية ــ هذا فى السر ــ وفى العلن يشاركون فى التفاوض على أمور أخرى لاشك أن رأيــهم فيها ــ الذى سيبدوا محايداً فى الظاهرــ سينتصر لما تفاوضوا عليه سراً . أما ما تفاوضوا عليه مع عمر سليمان فى الأول من فبراير بحسب ما ســرب من بعض قــادتـهم الـذين انشـــقوا على الجماعة فيما بعد فهو الاستعداد للانسحاب من الميدان فى مقابل الاعتراف بشرعية الجمـــــاعة والموافقة على إنشاء حزب سياسى لها، وهذا الاتفاق يتناقض تماماً مع الموقف المعلن . وأظن أن أخبار هذا الاتفاق لو سربت فى حينه لكان للثوار والقوى السياسية موقف آخر من الإخـــوان، ولتغير المسار السياسى للثورة تغيراً كلياً فهذا الموقف هو موقف تآمرى بكل المقاييس ويمثل خيانة للموقف الثورى برمته .التقت المصالح ما بين الإخوان والمجلس العسكرى إلى حد إمـكان القــــول بأن ما وقع من وجهة نظرهم ليس بثورة إنما هو انتقال للسلطة من نظام مبـــــارك إلى نظام الإخوان عبر الوسيط الممثل فى المجلس العسكرى، وهذا قد يفســــــر إلى حد كبير مواقف الإخوان التالية من الثورة والثوار. سواء فى أحداث مسرح البالون أو ماسبيرو أو محمد محمود أو مجلس الوزراء . ما وقع من وجهة نظرهم ليس بثورة إنما هو انتقال للسلطة من نظام مبارك إلى نظام الإخوان عبر الوسيط الممثل فى المجلس العسكرى.
الجريدة الرسمية