فقدان الرؤية
في أبريل ٢٠١٢، حين قررت قيادة جماعة الإخوان ترشيح خيرت الشاطر لانتخابات الرئاسة، قلنا ساعتها إنها ترتكب بذلك خطأ استراتيجيا قاتلا، هذا القرار سوف يكلف الجماعة والوطن غاليا.. وقد ذكرنا لذلك أسبابا كثيرة في حينها لا داعى لتكرارها.. ولأسباب قانونية تم استبعاد خيرت الشاطر، ما اضطر قيادة الجماعة أن تدفع بالدكتور مرسي مرشحا بديلا عنه.. وفى الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة، فاز الدكتور مرسي بمنصب رئاسة الجمهورية بفارق ضئيل للغاية عن منافسه الفريق أحمد شفيق، حيث حصل على نحو ١٣،٧ مليون صوت، منها ٨ ملايين ممن أطلق عليهم "عاصري الليمون"، أي الذين أعطوه أصواتهم ليس حبا فيه ولكن كراهية في منافسه..
خلال العام الذي حكم فيه الدكتور مرسي، كانت معه مؤسسات ووزارات مهمة ومؤثرة، كالجيش، والداخلية، والخارجية، والإعلام، والشباب، والتموين، والتنمية المحلية، والمالية، والتخطيط، والبترول..إلخ.. إضافة إلى عدد كبير من المحافظين، فضلا عن كوادر تم وضعهم داخل الوزارات والإدارات المحلية.. ومع هذا كله فشل في إدارة شئون البلاد فشلا ذريعا.. لم يقدم الحد الأدنى من الإنجازات التي تجعل الملايين من شعب مصر تلتف حوله أو تتعاطف معه، حتى "عاصرى الليمون" ندموا على إعطائه أصواتهم..
كانت هناك فرص كثيرة للمراجعة والتصويب، لاستعادة ثقة الجماهير، لكنه أهدرها جميعا.. وكانت النتيجة أن خرج عشرات الملايين، قدرت بـــــ ٣٠ مليونا، في ٣٠ يونيو غضبا ورفضا واحتجاجا على نظام حكم الرجل، ومطالبة إياه بالرحيل.. كانت ثورة بكل معانى الكلمة، وما كان لأحد أو جهة أو هيئة مهما علت قدرتها أو بلغ تأثيرها أن تحشد هذه الملايين الهادرة التي خرجت طواعية واختيارا حول هدف واحد هو إسقاط حكم الدكتور مرسي..
ومن المعلوم بيقين أنه لولا خروجها بهذا الإصرار، ما أقدمت القيادة العامة للقوات المسلحة على اتخاذ موقف حيال الدكتور مرسي، خاصة بعد رفضه طلب الجماهير بانتخابات رئاسية مبكرة، أو قبول النصيحة بإجراء استفتاء على الرئاسة.. بمعنى آخر، كان موقف القيادة العامة انحيازا واضحا وحاسما للملايين من شعب مصر، وقطعا للطريق على حرب أهلية وشيكة..
وفى ٣ يوليو، تمت إزاحة الدكتور مرسي من سدة الحكم.. ولو أن الإخوان ومناصريهم قبلوا الانصياع والنزول على رأى الجماهير، لكان للتاريخ مسار آخر.. كنا نتوقع أن يقدم الإخوان في تلك اللحظة التاريخية مثالا ونموذجا يحتذى في الديمقراطية، وأنهم لن يبقوا في السلطة يوما واحدا طالما لم يكن هناك رضاء عنهم أو قبول لهم.. ولو حدث هذا، لكان توطئة لاستعادة ثقة الجماهير بهم.. لكنهم للأسف تشبثوا بالسلطة التي فشلوا في إدارتها.. وكان من المفترض أن يأخذوا خطوة إلى الوراء لمراجعة أخطائهم ومواقفهم، ودراسة الأسباب التي أدت إلى نفور الناس منهم وكراهيتهم لهم، ومحاولة البدء من جديد في ترتيب أفكارهم وأوراقهم وأولوياتهم..
لكن، إذا بهم يسيرون في الطريق الخطأ.. اعتصامات وتظاهرات ومصادمات دموية مع الشرطة والجيش والشعب.. وبذلك أضافوا خسارة إلى خسائرهم.. لقد كلفهم وكلف الوطن غاليا سيرهم في هذا الطريق.. فهم المسئولون بالدرجة الأولى عن الدماء التي أريقت، والأرواح التي فاضت إلى بارئها، سواء من المدنيين أو من رجال الجيش والشرطة.. وفى مقابل ماذا، سلطة تذهب وتأتى؟!
آن لهم أن يتوقفوا عن هذا العبث، وأن يثوبوا إلى رشدهم، وأن يتقوا الله في وطنهم.. لقد نصحنا كثيرا، ولن نتوقف عن النصح، وإن كان بعض الناس لا يقبلونه ويفضلون خوض التجربة حتى وإن كانت قاسية ومريرة!