رئيس التحرير
عصام كامل

تفاصيل حكاية " الذل والهوان" لـ 105 مصريين في ليبيا.. 17 يوما "سخرة" في سجن عسكري.. تعرضوا للتعذيب في برك الصرف الصحي.. الخارجية المصرية تعاملت معهم بمنطق " الطناش"

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

مئات الشباب من المصريين تركوا بلادهم للبحث عن لقمة العيش خارجها بعدما ضاق بهم الحال وكثرت عليهم الديون ولم يجدوا وسيلة عمل، منهم الحاصلون على مؤهلات عليا ومنهم الصبية الذين لا يتعدى أعمارهم عن 18 عامًا، وفى الفترة الأخيرة قرر 105 مصريين السفر خارج مصر بحثًا عن لقمة العيش وبعد البحث والسؤال وجدوا أن ما يستطيعون جمعه من مال يكفيهم للسفر إلى ليبيا فقط. 

ولم يتخيل أحد منهم أن حلم السفر سيتحول إلى جحيم من العذاب والسرقة والإهانات ومنهم من ألقى في مياه الصرف الصحى ومنهم من عمل في السخرة دون أجر ولكن الجميع تم الاستيلاء على متعلقاتهم من أموال وملابس.

ويروى ناصر نفادى على – 23 سنة- ليسانس حقوق، تفاصيل مأساة لمدة 17 يوما في الأراضى الليبية بين الخوف والإهانة المستمرة والسخرة في العمل بدون أجر قائلا إنه كان من بين ضحايا النصب والاحتيال وترك محافظ المنيا بعدما ضاق به الحال ولم يجد فرصة عمل. 

وأضاف: لم يتوافر معى المال الوفير لأسافر إلى أحد دول الخليج كل ما استطعت أن أجمعه خمسة آلاف جنيه من "لحم الحى" لأدفعهم لسمسار معروف في المنيا لتسفير الشباب لليبيا.

ناصر رفض الإفصاح عن هوية الشخص الذي قام بتسفيره إلى ليبيا بحجة أن طبيعة الصعيد تحتم عليه عدم كشف هويته أملًا في أن مجلس العرف هناك سوف يرد له الأموال التي دفعها.

وتبدأ مأساة ناصر نفادى عندما دفع 2000 جنيه للسمسار المسئول عن تسفيرهم كمقدم على أن يسدد 3000 جنيه فور وصوله الأراضى الليبية، وبالفعل أقلعت بهم طائرة تابعة للخطوط الليبية من مطار الإسكندرية وعلى متنها 105 مصريين من العديد من المحافظات، وكان الاتفاق أن تهبط بهم الطائرة في منطقة "الكوفرا" ثم يحصلون على تأشيرة من هناك لينطلقوا إلى بنغازى.

وفور وصول 105 مصريا إلى منطقة "الكوفرا" تم استقبالهم من قبل السلطات الليبية التي طلبت منهم التوجه إلى مستشفى "ضمان" لإجراء فحوصات بعدما قاموا بمصادرة الجوازات الخاصة بهم،. 

ويوضح ناصر أنهم رفضوا أن يتوجهوا إلى المستشفى خشية أن تقلع الطائرة ولم يستطيعوا العودة لمصر واستكمال رحلتهم إلى بنغازى وبالفعل خلال دقائق وجدوا الطائرة تحلق في السماء وقام المسئولون في المطار بنهرهم وطردهم إلى الخارج في الصحراء ولم يجدوا أي شخص في استقبالهم.

ولم يجد الشباب المصرى الذي من بينهم ما لا يقل عن 50 شخصا لا يتعدى أعمارهم عن 18 عامًا طريقا للخروج من الأزمة سوى الاتصال بالشخص الذي قام بتسفيرهم، فأرسل لهم شخصان يدعيان "عامر وعتمان" - وهذا كل ما يعرفوه عنهما. 

و بعد مباحثات طويلة أكدا استحالة وصول الشباب بنغازى واستقروا على أن يعود 80 شخصا إلى مصر من خلال الخطوط الليبية ثم يلحق بهم 25 شخصا في اليوم التالى، وبالفعل سافرت الدفعة الأولى وفى الثامنة صباح اليوم التالى تحرك الـ25 مصريًا إلى المكان المتفق عليه على هبوط الطائرة الساعة الثامنة صباحًا ولكن تأخرت الطائرة حتى الساعة 12 ظهرًا. 

وفوجئ الـ 25 مصريًا بالقبض عليهم من قبل السلطات الليبية لأن المفاجأة الأكبر أن المكان الذي هبطت فيه الطائرة مطار حربى، فضلًا عن أن الطائرة كان تم الإبلاغ عنها مسبقًا ومن هذه اللحظة بدأ يواجه الشباب المصري جحيما لم يتوقعوه بعدما هربوا من ضيق الرزق في مصر.

ويقول ناصر إنه تم القبض عليهم وسط الإهانات والضرب باليد والقدم وبـ "ظهر البندقية" وسط ترديد كليمات "انتو جيين تخربوا ليبيا.. انتوا جيين هنا ليه يا أولاد...." حتى تم تحويلهم إلى سجن الوحدة الصاعقة في بنغازى ليزوقوا الأمرين، وليجدوا داخل السجن 128 سجينًا غيرهم من بينهم مجموعة من الليبيين وسوريين و8 أتراك.

ويكشف ناصر أنهم تعرضوا للضرب بالخرطوم في أول يوم ثم قاموا بحبس كل 25 في غرف مساحة 2 متر طول في 3 متر عرض ولا يوجد بها تهوية سوى شباك 15 سنتيمتر فقط، مضيفًا: "كنا نستيقظ في العاشرة صباحًا نقف طابور بجوار بركة من مياه الصرف الصحى وكان الأفارقة ذات الحظ الأوفر من الإهانات و"المرمغة في مياه الصرف الصحى".

ويؤكد أن المصريين تم ضربهم أول يوم فقط بالخرطوم وكل ما يتم الضرب نسمع التكبير "الله أكبر الله أكبر " وكأنهم كفرة"، 
أما باقى الأيام فكان يتم إهانة من يطالب بالمبالغ التي تم الإستيلاء عليها أو متعلقاته من ملابس، مستطردًا: "من ينفذ التعليمات ولم يطالب بحقه لم يتم الاقتراب منه طوال فترة تواجده في السجن.

ويضيف ناصر: بعد العمل سخرة في سجن وحدة الصاعقة لمدة طويلة تم نقلنا إلى الكلية الحربية في بنغازى وهناك تغيرت المعاملة إلى الأفضل ولم يوجد إى نوع من الإهانات مع استمرار عدم حصولنا على أجر مقابل عملنا في العديد من المجالات داخل سجن الصاعقة كأعمال المعمار والنجارة أو حتى الحصول على المبالغ والملابس التي كانت معنا.

ويستطرد قائلا: في السجن الحربى تردد أكثر من مرة أن السفير المصرى في ليبيا سوف يقوم بزيارتنا ولكن آخر رد كان من قبل المسئولين الليبيين أن السفير رفض الزيارة وأكدوا لنا أنه سيتم الإفراج عن من يحمل جزار سفر، وبالطبع جميع جوازات السفر كانت صودرت لحظة القبض علينا فأخبرونا أن من يعرف أحدًا من العرب الليبيين سوف يتم الإفراج عنه وبالفعل تم الإفراج عن خمسة، ومنهم من طلب استمرار رحلته إلى الأراضى الليبية بحثًا عن العمل ومنهم من طلب الرجوع إلى مصر.

ويختتم ناصر بأنه تم الإفراج عنهم بعد ذلك بعد الاتفاق على ترحيلهم إلى مصر من خلال طائرة تابعة للخطوط الليبية، وفى المطار تم استقبالنا من جانب مسئولين في السفارة المصرية الذين لم يتركوهم إلا بعد الحصول على كل المعلومات منذ تحركهم من مصر حتى وصولهم ليبيا والمساعدين لهم هي هذه الرحلة.
الجريدة الرسمية