رئيس التحرير
عصام كامل

خلف القضبان


في الرابع من نوفمبر القادم، سوف يقف المدعو محمد مرسي عيسي العياط خلف القضبان ليحاكم علي ما ارتكبه من جرائم في حق مصر وعلي رأسها جريمة الخيانة العظمي، إلا أن الجريمة الحقيقية التي سيحاكمه عليها التاريخ هي أبعد من ذلك بكثير، ليس التخابر مع الدولة الأجنبية هو ما يستحق المحاكمة عليه ولكن الأبشع هو ما كان ينوي أن يفعله هذا الرجل ومعه عصابته الوحشية مع هوية مصر التاريخية وعمقها الحضاري المتأصل داخل الشخصية المصرية.


إذ أن الهدف من وراء الجريمة كان هو تغيير وجه مصر وتجفيف كل ينابيع المعني والوطنية فيها، فيصبح الإنسان المصري عبدا ذليلا لأفكارهم وشهواتهم الشاذة، وقد مهدوا لهذا الهدف منذ عدة أجيال وبدوا فعليا داخل عشوائيات مصر، حيث كانت نفوس الناس في حالة استعداد تام لاستقبال أي تغير يطرأ علي حياتها.

فالجمود والإهمال والفقر الذي أصاب المواطن البسيط جعل منه وعاءً صالحا لكل أفكارهم الشيطانية، وجعل منه أيضاً ضحية بريئة لنوايا المجتمع الفاسدة، المجتمع الذي طحنه اقتصاديا وثقافيا وأهمله بلا رحمة لأكثر من ٤٠ عاما، اختلطت فيهم كل القيم والمعايير واختل المنطق العام للمجتمع بأكمله فباتت السطحية هي حجر الزاوية، وإشباع الشهوات هو الهدف المرجو من الجميع، ومع سطوة رعاع المال وعبيد المصالح سقط المصري سقوطا عظيما جعله أعمي البصيرة، لا يري أمامه سوي مصلحته الشخصية ولا يعرف عن حياته سوي أنها ستنتهي يوما ما ويستريح بعدها.

وخرجت الأجيال المتعاقبة كالجراد الجائع لكل شيء، أعداد لا تعد ولا تحصي من المهمشين المعدومين، وهنا كان ميلاد الغضب العام الذي تملك كل النفوس من أبناء الطبقات الدنيا والمتوسطة، فأصبحت الفرصة مواتية لزبانية الإخوان لينطلقوا في طول المجتمع وعرضه ويبثوا أفكارهم ويستعرضوا بأموالهم ويستعبدون البشر.

فتم تدمير الغطاء الاجتماعي وتمزيقه تماماً، فأصبحنا قبائل منفصلة تعيش داخل حدود وطن، وبدأنا ننتبه ببطء شديد لهذه الحقيقة ولكننا لم نفعل شيئا حيالها، بل علي العكس أخذ التباعد بين الطبقات يزداد، والحقد الاجتماعي يتسع، فصار لكل قبيلة من قبائل المجتمع قناعاتها الخاصة القائمة علي مصالحها وسبل بقائها، فصار المصري ينظر الي أخيه في الوطن وكأنه لا يعرفه.

وهنا بدي لنا أن شبح الحرب الأهلية علي الأبواب، ومع ظهور هذا الهاجس أخذ الإخوان يجيشون العقول استعدادا ليوم المعركة الفاصلة والتي أتت ساعتها أسرع مما كان يتوقع الجميع، وحكم الإخوان مصر وهنا خرجت التدابير والأحلام الشيطانية إلي الحيز المنظور ورأينا بأعيننا الهجوم المغولي علي مفاصل صنع القرار في الدولة المصرية البائسة، وفتح الحدود واستقبال القتلة والمجرمين ليستوطنوا أرض سيناء كي تصبح قاعدة انطلاق للهجوم الكبير الذي كان مخططا له أن يحدث تدريجيا علي مدار العشر سنوات القادمة.

ولكن أنقذت العناية الإلهية مصر، وعاد كل هؤلاء مرة أخري إلي خلف القضبان وسوف يحاكم محمد مرسي في غضون أيام وقد يحكم عليه بالإعدام، ولكن هذه لن تكون النهاية فهناك طبقات اجتماعية كاملة تزرع في أطفالها اليوم عقيدة الانتقام والمواجهة الثانية في المستقبل، ونحن جميعا نتخيل أن الحل يكمن في الأمن ولكن حقيقة الأمور تؤكد أن الحل الفاصل هو في داخلنا نحن، فعلينا أن نتغير اتجاه أنفسنا واتجاه بعضنا البعض، لنصبح أكثر رحمة وتعاونا وإنصافا للضعفاء والمساكين، ولو لم نفعل فسنصبح نحن جميعا مجرمين وجناة في ذمة التاريخ وعليه فسنقف جميعا خلف القضبان .
الجريدة الرسمية