رئيس التحرير
عصام كامل

«صراع القوى العظمى يعود للشرق الأوسط».. حرب باردة بين موسكو وواشنطن بالمنطقة.. «الربيع العربي» يرفض الهيمنة الأمريكية ويتجه نحو الصين.. حكام الخليج يحافظون على وجودهم تحت مظلة الأم

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

أكد العديد من المحللين الاستراتيجيين أن سياسة القوى العظمى تعود إلى منطقة الشرق الأوسط، وقد تصبح روسيا وربما الصين القوتين العظميين بالمنطقة بعد ثورات الربيع العربي، وموقف الإرادة الأمريكية تجاه الأحداث الجارية بمصر وتجميد المساعدات العسكرية المقدمة للجيش المصري.

وذكرت شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية أن الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا على وشك العودة لمرحلة الحرب الباردة فيما بينهما بالشرق الأوسط، مشيرة إلى الزيارة التاريخية المرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القاهرة، تبحث توثيق علاقات عسكرية وتحقيق تواجد روسي في الموانئ المصرية.

ورأت الشبكة أن مصر أصبحت في تحالف مع روسيا بعد ثلاثة عقود من التحالف مع أمريكا، موضحة أن العلاقات العسكرية المصرية الروسية زادت بشكل كبير.

ولفتت إلى أن "ذكاء بوتين وانتهازه للمبادرة وإقناع الولايات المتحدة بعدم توجيه هجوم عسكري ضد سوريا، بسبب استخدام الأسلحة الكيميائية في 21 أغسطس الماضي وإقناعه كذلك كثيرا من رؤساء المنطقة بعدم توجيه أي عمل عسكري ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد".

وأشارت إلى هروب أوباما من الخط الأحمر الذي رسمه للأسد، بإرسال فريق من مفتشي الأمم المتحدة للبحث عن الأسلحة الكيميائية السورية وتدميرها، مما يعزز قوة بوتين في المنطقة وعودة الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو على الشرق الأوسط.

ومن المرجح أيضا أن تقبل الولايات المتحدة بتطوير الأسلحة النووية الإيرانية، بعد سحر الرئيس الإصلاحي الجديد حسن روحاني لأوباما، وتلجأ الإدارة الأمريكية لإبرام الصفقة، حيث تعد إيران حليفا رئيسيا لروسيا.

وأضافت أن ذلك يذكرنا بالحرب الباردة المنسية عندما كان الاتحاد السوفيتي السابق المورد الرئيسي للأسلحة والتدريب والمستشارين للكتلة المعادية للغرب لكل من مصر والعراق وليبيا وسوريا واليمن ومنظمة التحرير الفلسطينية، لكن بعد انتصار مصر في حرب 1973 على إسرائيل ومعاهدة السلام التي فرضتها واشنطن، تحول الأمر بالنسبة لروسيا وفرضت أمريكا سيطرتها على المنطقة.

وذكرت وكالة رويترز أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين لم يواجهوا سوى بضعة منافسين خارجين في محاولات التأثير على مجريات الأمور بعد انسحاب روسيا من المنطقة في نهاية الحرب الباردة في نهاية السبعينيات وأوئل الثمانينيات، ولكن مع انسحاب الولايات المتحدة من العراق، تعيد القوى الاقتصادية الصاعدة تشكيل العالم وتتعمق صلتها بالخليج بسبب احتياجاتها من الطاقة، وبذلك يبدو انتهاء العصر الخالي من المنافسة وتنازع النفوذ.

وقال وليد حزبون، مدير مركز الدراسات العربية والشرق أوسطية في الجامعة الأمريكية ببيروت "ما نراه هو فقد الولايات المتحدة للقدرة على تشكيل الأحداث بالمنطقة على الرغم من أنها لا تزال القوى العسكرية المتفوقة.. نرى آخرين يتحركون لملء الفراغ".

وتقول حياة ألفي، المحاضرة المتخصصة في دراسات الشرق الأوسط، بكلية الحرب التابعة للبحرية الأمريكية: "الخلاصة هي أنه سيكون هناك المزيد من اللاعبين.. كان الشرق الأوسط دائما مسرحا للعبة الكبرى.. القوى الصاعدة ترى فرصا ومميزات من الانخراط في هذا تماما مثل القوى الاستعمارية".

وفي حين ظلت موسكو وبكين بدرجة كبيرة على الهامش دبلوماسيا خلال حربي العراق عامي 1991 و2003، وحتى خلال الحملة على ليبيا العام الماضي، فإنهما تطالبان بالإنصات لصوتيهما على نحو متزايد، وكانت هناك بوادر على بزوع قوتهم عندما أعربت الدولتان عن نيتهما الواضحة لمنع أي تدخل لتغيير النظام في سوريا وإرسال حاملات طائرات وسفن لميناء طرطوس.

غير أن منهج موسكو وبكين على وجه الخصوص الأكثر قوة بالمنطقة يرتبط بشكل متزايد فيما يبدو بأجندة الدولتين العالمية.
ويعتبر دعم روسيا للرئيس السوري بشار الأسد على نطاق واسع خطوة للدفاع عن موطئ قدم من حقبة الحرب الباردة في سوريا، وإغلاق الطريق أمام تدخل مستقبلي على غرار ما حدث في ليبيا.

ومن أسباب الثورات التي اجتاحت العالم العربي رفض سياسة الولايات المتحدة التي تنطوي على دعم دول شمولية ويعتقد البعض في واشنطن أن هذا المنطق قد يلقى جاذبية بين شعوب الشرق الأوسط.

وقالت ألفي: "جماهير المنطقة ضاقت ذرعا بفرض نفس القوة العظمى إرادتها على المنطقة.. ربما يرحبون بالصينيين".

بينما قدم الكاتب الأمريكي خوان كول، نظرة مستقلة ومستنيرة بشأن الشرق الأوسط والسياسة الأمريكية تجاه العالم العربي، مشيرا إلى اتجاه الدول العربية إلى روسيا، وقدم لمحة سريعة للسياسة العربية في ذروة الحرب الباردة عام 1960 وتوجه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى أحضان الاتحاد السوفيتي من بعد عام 1956.

وزار رئيس الوزراء السوفييتي نيكيتا خروتشوف القاهرة في عام 1964، وكانت الجزائر وسوريا يميلان للاتحاد السوفيتي، وعام 1967 أصبح جنوب اليمن الدولة الشيوعية الوحيدة في المنطقة، واستمال العراق تدريجيا نحو موسكو في بعض الأحيان.

وكان المحللون الإستراتيجيون للولايات المتحدة يشعرون بقلق عميق إزاء المنطقة بأسرها، بعد تحولها لمعقل للشيوعية وامتداد النفوذ الروسية بها، وكان ينظر بقلق شديد نحو قناة السويس والغاز في المنطقة، والنفط والأصول العالمية الرئيسية.

وقامت الولايات المتحدة بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية والقوات المسلمة أو الملكية المحافظة لدفع المنطقة إلى اليمين، ونجح في نهاية المطاف ليتحول الشرق الأوسط إلى اليمين، ولكن كان "هناك جهد مشترك يمثل نقطة عالية، الجهاد لريجان - السعودية ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان عام 1980 والتي أنتجت تنظيم القاعدة التي كانت النكسة".

وفي عام 1970 تخلى الرئيس الراحل أنور السادات عن أحضان الاتحاد السوفيتي ليتجه إلى الولايات المتحدة، وكان ذلك انقلابا نتيجة سياسة واشنطن في المنطقة، وأسفر عن ذلك مساعدات أمريكية ضخمة لمصر في عام 1979 تحت مسار معاهدة السلام التي تبنتها واشنطن بين مصر وإسرائيل.

ومنذ ذلك الحين، لم تعد روسيا قوة تقدمية، وأصبحت أنظمة الشرق الأوسط تعتمد في اقتصادها على النفط والغاز، مشيرة إلى أن الحكومات داخل هذه الأنظمة، "أصبحت شبه مستبدة تدعمها القلة من المليارديرات".

وقال: "حكام الخليج يسعون الحفاظ على وجودهم تحت مظلة الأمن المصري ضد كل من الإخوان وجمهورية إيران الإسلامية وكلاهما ينظر إليها أنها مضادة للملكية والحكم الشعبي.. يمكن أن تأخذ المعونة الأمريكية من روسيا بدلا من واشنطن وتلعب على التناقضات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، والهدف رفع مستوى العلاقات الثنائية إلى مستوى جديد".

ومما لاشك فيه أن روسيا تلقت فرصة تكتيكية لإعادة العلاقات مع مصر وتحقيق هدفها من إنشاء قاعدة عسكرية في الإسكندرية بدلا من المنشأة العسكرية في طرطوس السورية، وذلك لن يكون إلا بإقامة علاقات إستراتيجية حقيقية.

ومضى الكاتب يقول: "أيضا المملكة العربية السعودية حليف للولايات المتحدة منذ عام 1930 إلا أنها بدأت تشرد عنها وربما للعاصمة الصينية بكين، فهناك رد فعل عنيف لاستبدادية الشرق الأوسط وعدم الاستقرار الذي أنتجته ثورات الشباب في عام 2011".
الجريدة الرسمية