رئيس التحرير
عصام كامل

مؤسسة أمريكية: الإخوان تمتلك ميليشيات مسلحة في سوريا..كتائب الفاروق في حمص والتوحيد في حلب تتبع الجماعة..وقيادي يعترف بتمويل "دروع الثورة" التي ترفع شعار التنظيم..الهيئة اندمجت بين في النزاع بسوريا

مؤسسة كارنيجي للسلام
مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي

في دراسة مطول نشرتها مؤسسة "كارنيجى" للسلام الدولى ومقرها واشنطن، لمناقشة دور جماعة الإخوان في الأزمة السورية والحرب الدائرة هناك من خلال إنشاء ميليشيات مسلحة لتحويل دفة الحرب على الأرض، قال الباحثان رافاييل لوفيفر:" تحول الإخوان المسلمون في سوريا مؤخرًا إلى قوّة متنامية في البلاد، ولاسيما في القتال المسلّح ضد النظام".

وأضاف: "بدأت الشائعات عن إنشاء التنظيم مجموعة ميليشيوية تنتشر قبل أكثر من عام، حتى في الوقت الذي كان قادته ينفون نفيًا قاطعًا وبصورة رسمية هذا الأمر. 

وتابع الباحثان: "وجدّد نائب رئيس الجماعة التأكيد في أغسطس الماضي بأنه من المهم التشديد منذ البداية على أنه ليست للإخوان تشكيلات عسكرية مسلّحة في الثورة السورية"، قبل هذه الشائعات، لم يكن يُعرَف الكثير عن درجة تأثير الإخوان المسلمين على الأرض - سواءً من خلال الروابط مع مجموعات الثوّار الموجودة أو مع الجيش السوري الحر بيد أن سلسلة من المقابلات التي أجريت مؤخرًا كشفت الشوط الذي قطعه الإخوان المسلمون في سوريا لإعادة بناء نفوذهم العسكري - والتحدّيات الخطيرة التي يمكن أن تحملها هذه الخطوة للتنظيم على صعيدَي صورته وتماسكه".

وأضافت الدراسة، بدأت حفنة من الفصائل المسلّحة المقرّبة من الإخوان المسلمين تتشكّل ردًا على حملة التضييق التي شنّها النظام السوري لقمع الاحتجاجات التي اندلعت في مارس 2011. 

وتمركز الجزء الأكبر منها في إدلب في ذلك الوقت، حيث حافظ أعضاء التنظيم، على الرغم من الفترة الطويلة التي أمضوها في المنفى، على روابط وثيقة مع الأصدقاء والأنسباء وكذلك مع الشبكات القتالية. 

ومع تواصل حملة القمع الحكومية، نظّم الثوّار - الذين كانت أقلّية منهم فقط منتمية رسميًا إلى الإخوان – صفوفَهم وبدءوا ينتشرون في مناطق أخرى في البلاد.

وبلغت هذه العملية أوجها في سبتمبر 2012، عندما جمع الإخوان كل هذه المجموعات تحت المظلّة الرسمية لما يُعرَف بـ"هيئة دروع الثورة" التي بدأت العمل فعليًا وفي شكل كامل في يناير 2013. 

يصف عدد كبير من الناشطين المعارضين الدروع بأنها "ميليشيا" الإخوان المسلمين الجديدة في النزاع السوري، واقع الحال هو أن صعود الهيئة يشكّل المحاولة الأحدث التي يبذلها الإخوان لممارسة تأثير في النزاع الدائر على الأرض. 

وسبق أن خاض بعض المسئولين في التنظيم تجربة مماثلة حاولوا من خلالها دعم "هيئة حماية المدنيين" التي شكّلت منصّة جامعة لمجموعات الثوّار تتمركز في شكل أساسي في حمص، ولاحقًا، حاول الإخوان مجددًا، ولكن عبثًا، استيعاب مجموعات إسلامية كبيرة أخرى على غرار كتائب الفاروق في حمص أو كتائب التوحيد في حلب.

وأكد الباحثان على أن قضية التأثير العسكري للإخوان في سوريا تستحضر فصلًا مضطربًا من تاريخهم، وهو من الأسباب التي تدفع قادتهم إلى توخّي الحذر الشديد عند الإدلاء بتصاريح علنية عن تأثير التنظيم الفعلي في النزاع العسكري، فتورّط الإخوان في القتال المسلّح ضد النظام قبل ثلاثين عامًا هو الذي تسبّب بانقسامات كبيرة داخل التنظيم، وبضعفه، وخروجه في النهاية إلى المنفى. 

وهكذا يكتفي قادة الإخوان، في العلن، بالإقرار بـ"التقارب العقائدي" بين هيئة دروع الثورة والإخوان المسلمين، والثقة التي تعطيها الهيئة للجماعة. لكن كثرًا يُقرّون، في مجالسهم الخاصة، بأن الروابط بين المجموعتَين أعمق من الخطاب الودّي.

وتابعت الدراسة: " شرح قيادي في الإخوان أن "العلاقة تُختصَر بأننا حاضرون لمساعدتكم - نزوّد الدروع بالتمويل ونساعدهم من خلال التواصل والتنسيق"، وفي مؤشّر معبّر، الرمز الذي تعتمده هيئة دروع الثورة هو عبارة عن السيفَين المتصالبَين اللذين يستخدمهما الإخوان المسلمون شعارًا لهم، وغالبًا ما يضرب خطاب التنظيمَين على الوتر نفسه، وما يزيد المسألة تعقيدًا هو أن هيئة الدروع، وعلى الرغم من كل الجهود التي يبذلها الإخوان، لم تتحوّل بعد إلى الجناح المسلّح الفعلي للتنظيم". 

وشدّد القيادي في جماعة الإخوان قائلًا: "حتى الآن أعطيناهم تعليمات عامة، لكن لديهم هيكليتهم الخاصة وبالكاد يقومون بالتنسيق معنا – مثاليًا، نودّ أن تكون لدينا هرمية قيادية ملائمة، وآلية أكثر مركزية لصنع القرارات، لكن ذلك يستغرق وقتًا".

وشددت الدراسة، على أن أحد العوامل الأساسية التي تعوق تحوّل هيئة دروع الثورة إلى تنظيم ميليشيوي تابع للإخوان هو أن أقلّية فقط من مقاتلي الدروع الذين تُقدَّر أعدادهم بـ5000 إلى 7000 مقاتل، هي فعليًا جزء من جماعة الإخوان، ما يثير مخاوف لدى الإخوان مرتبطة بمسائل عدّة أبرزها الولاء، وغياب التربية والانضباط، واحتمال النزوع نحو التطرّف، من بين أمور أخرى، لقد حُرِم التنظيم طويلًا من قاعدة للتجنيد داخل سوريا، فالقانون رقم 49 الصادر في يوليو 1980 ينصّ على إنزال عقوبة الإعدام بكل من يُعرَف عنه انتسابه إلى جماعة الإخوان السورية. 

وعلى الرغم من أن عددًا كبيرًا من مقاتلي الدروع ربما يرغب الآن في الانضمام رسميًا إلى الإخوان، تستغرق دراسة طلباتهم وقتًا طويلًا، ويكون في بعض الأحيان الانتساب إلى تنظيم الإخوان المسلمين عملية صعبة ومعقّدة، إذ إنه ينبغي على المرشّحين أن يخضعوا أولًا إلى تربية سياسية ودينية وتنظيمية مكثّفة.

حتى الآن، استطاعت هيئة الدروع أن تُفلت إلى حد كبير من مجهر مراقبي النزاع في سوريا، يشرح عضو بارز في جماعة الإخوان المسلمين قائلًا: "نتردّد في إبراز الهيئة أكثر إلى العلن، بانتظار أن تصبح جاهزة على المستوى العسكري، بل أيضًا على المستويَين التربوي والسياسي"، لكنها تُعزّز حضورها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما أن بعض كتائب الدروع، على غرار "درع الجبل"، في محافظة إدلب، ضاعفت مؤخرًا عملياتها العسكرية على جبهات القتال.

وكذلك بات أعضاؤها أفضل تجهيزًا إلى حد كبير في الأشهر الأخيرة، ففي حين تُظهر أشرطة فيديو بُثَّت سابقًا مقاتلي الدروع يستخدمون مدافع وبنادق بدائية، يتبيّن في الأشرطة الجديدة أن الهيئة حصلت على أسلحة أكثر تطورًا بكثير - منها منظومات الدفاع الجوي المحمولة، ومدافع هاون، وبعض الدبابات، كما عملت على تحسين قدراتها القتالية عبر التحالف بصورة منتظمة مع هيئة حماية المدنيين التي تشارك الدروع تعاطفها مع الإخوان المسلمين ورسالتها "الوسطية".

فالهيئتان تدعوان أتباعهما إلى احترام القوانين الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان ودعم مجموعات المعارضة الأساسية مثل الائتلاف الوطني والجيش السوري الحر، ربما تشير هذه التطورات - ولاسيما عند النظر إليها على ضوء التشدّد الذي ينتشر في أوساط الإسلاميين في سوريا، كما يظهر من خلال توقيع مجموعات إسلامية مؤخرًا على بيان يرفض سلطة الائتلاف الوطني ويدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية - إلى أن الوقت قد حان كي يؤدّي الدروع دورًا أكثر وضوحًا تلبيةً للمطالبة بمجموعات إسلامية "وسطية".

وانتهت الدراسة بخلاصة مفادها، قد تبدو زيادة التأثير العسكري للإخوان المسلمين في سياق الفوضى في سوريا خيارًا منطقيًا بالنسبة إلى قادة الجماعة الذين يريدون أن يتخطّى التنظيم تداعيات منفاه الطويل، عبر استعادته بعضًا من الدور الفعلي في الثورة السورية.
الجريدة الرسمية