رئيس التحرير
عصام كامل

مصر مش وجهة نظر: لكل مجتمع محاذيره


تهدف العولمة بنشر الثقافة الغربية، على أنها هي الخصوصية العالمية، ولكن لماذا لا تنشر الثقافة الصينية مثلاً، كون الصين ضمن القوى الكُبرى في العالم اليوم؟! هل هي عُنصرية النظرة للغرب بديلاً عن الشرق، أم أنه تأثير الأفلام الأمريكية على العقول المتفرنجة؟! إن التشويه الثقافي هدف أساسي لدي الغرب، وقد كُتبت في ذلك الكُتب، وليس هذا فكراً جديداً أبذره الآن. إلا أن الإشكالية الكُبرى، هي أن هناك من لا يُفكر إلا بشكلٍ أُحادي، ويرى في الغرب صنمه الذي يعبد، لأنه لا يرى غيره نموذجاً للفكر، نتيجة لسيطرة الفكر الاستعماري الغربي عليه، امتداداً لاحتلال كان.


ولقد أظهر لنا برنامج باسم يوسف، هذا التشويه التابع للعولمة بقوة. فبعد برنامجه المُسف، وجدنا أكثرية مصرية رافضة لما قام به، بينما وجدنا رموز 25 يناير الشباب يشيدون بما قام به. وهذا في حد ذاته، يُشكل صحوة وطنية مصرية والتفاتا لحقيقة ما يحدث منذ يناير 2011. فنشر الفوضى لم يقتصر على الأمن، ولكن تعداه للأخلاق وتشويه القيمة المُجتمعية!!

لقد كانت مصر بحاجة إلى ثورة أخلاقية قبل يناير 2011، لأن المعيار القيمي غاب عن الميدان. وأصبح السباب هو السائد وكأن التغيير السطحي، هو ما كُنا بحاجة إليه. وتلك السطحية، هي الأساس الذي تقوم عليه ما يُدعى بالمُعارضة المصرية، التي لا تُعبر في الواقع إلا عن المعارضة من أجل المعارضة دونما فعل جاد أو تقديم بدائل لحل مشاكل المواطن. فالأحزاب المصرية فاشلة في حل أي مُشكلة للوطن أو المواطن، وأطروحات قادتها في مختلف الأمور، لا تنطلق من ثوابت ولكن تخيلات وتهيؤات، مثل طرح حمدين صباحي في برنامجه الرئاسي مثلاً، بأن أول ما سيقوم به هو زيارة لإيران، مُنحياً المشاكل العميقة والخلافات الجادة جانباً، وكأن المسألة تُحل بزيارة وليس وفقاً لمُناقشات جادة تُحافظ على مصالح مصر ودورها الإقليمي وسط دول الخليج العربي!!

إن العولمة تريد منا أن نكون سطحيين، وأن تنعدم القيمة من حياتنا، لكي نتشابه مع كل مُنعدمي القيمة في العالم، وبذا يخلق "الإنسان الدولي"، تحت زعامة ما يوصف بأنه الديمقراطية الدولية الأمريكية المُتساقطة. فمع الخلاص من القيمة، يتشابه الإسفاف على مستوى العالم، وتختفي الخصوصية الحضارية، التي هي علم يُدرس سواء في "المصريات" أو في مجموع العلوم الثقافية أو تلك التي تؤكد على ثقافة المجتمعات وتمزيُها. وقد أكدت تلك العلوم خلال السنوات الأخيرة على الخصوصية الحضارية لكل دولة عن غيرها، حتى فيما يتعلق بنظام حُكمها. ولا يمكن تطبيق النموذج الديمقراطي الغربي على الجميع، إلا لو تم المرور عبر حروب الـ 30 عاماً أو المائة عام، بنفس الجُزيئات التي مر بها الغرب!! إن الديمقراطية الغربية مرت بتجاربها الخاصة، وكي يكون لنا مثلها، يجب وأن تكون لنا تجارب مُماثلة!!

فوفقاً للثقافة السياسية فإن طريقة ومنظومة الحكم في مصر، ليست وليدة حاكم أو اثنين، ولكنها نابعة عن موروث فرضه الموقع والتاريخ المصري عبر القرون!! والموروث المصري هو من تخلص من حُكم الإخوان ولم يُساهم في ذلك برنامج مُسف، وإلا يكون اعتداؤنا على التاريخ والثقافة المصرية مُبالغ ومُسف!!

إن من كان يُشاهد البرنامج كان على استعداد لتقبل أي شىء، كما يتقبل اليوم الإسفاف على أنه يقضي على الفرعنة، غير أن مردود الإسفاف جاء بعكس ما يشتهي مُقدمه ومن خلفه، حيث التف المصريون أكثر، حول الجيش والسيسي، وأصبحوا يلفظون عُملاء الخارج أكثر!!
إنها مصر وطبيعة مصر، الرافضة لكل التطرف!!
مصر مش وجهة نظر!!
وللحديث بقية،
وتحيا مصر
الجريدة الرسمية