قطار الحوار الوطني التونسي ينطلق غدًا.. الصراع مستمر على المقاعد الحكومية.. شكوك حول استقالة حكومة الترويكا.. خبراء ينفون استقالة «العريض» إجرائيًا وقانونيًا.. والشعب ينتظر الفرج
أعلن الحسين العباسي، رئيس اتحاد الشغل أحد أبرز الرباعي الراعي للحوار الوطني والناطق الرسمي باسمه، أن المنظمات الأربعة تجتمع غدا الاثنين مع رؤساء الأحزاب المشاركة في الحوار بهدف عرض تقرير لجنة المسار الحكومي حول مقترحات التيارات السياسية لأسماء مرشحيها لرئاسة الحكومة التي ستعوض حكومة على العريض المستقيلة.
وترك العباسي الباب مواربا لبقية الأحزاب لتلتحق بالحوار بعد أن كانت رفضت التوقيع على خارطة الطريق المنبثقة عن مبادرة اتحاد الشغل قبل مناقشتها، ويحدو هذه الأحزاب المنسحبة من الحوار وعلى رأسها حزب المؤتمر أحد أضلاع الترويكا المستقيلة، عزم على إنجاحه بالرغم من عدم مشاركتها فيه وادعائها بأن الرباعي هو الذي أقصاها.
في خضم الاجتماعات الماراطونية للحوار الوطني، بدأت موجة من التسريبات المشكوك في صحتها تبرز في وسائل الإعلام طارحة أسماء مرشحة لخلافة على العريض على رأس حكومة الكفاءات التي سيتم تشكيلها في غضون الأسبوع المقبل وفق ما تنص عليه بنود خارطة الطريق ونشطت الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي لإبراز خصوصيات كل مترشح مزعوم وميزاته التفاضيلية، فيما أعلنت حركة النهضة على لسان الناطق الرسمي الجديد باسمها عدم ترشيحها لأي شخصية وطنية لمنصب رئاسة الحكومة إلى حد يوم أمس.
إلى هنا تبدو الأمور وكأنها مدعاة إلى التفاؤل بقرب انفراج الأزمة التي تتخبط فيها البلاد منذ 25 يوليو تاريخ اغتيال مؤسس التيار الشعبي المعارض وعضو المجلس التأسيسي محمد البراهمي على يد مجموعة مسلحة. إلا أن الواقع غير ذلك تماما، فبعد اجتياز مرحلة المناورات والتجاذبات والحروب الكلامية والتصريحات الاستفزازية من طرفي النزاع، الحكومة والمعارضة، وجلوس الفرقاء إلى طاولة الحوار بعد التعهد الكتابي لعلي العريض باستقالة حكومته، وما كاد التونسيون يتنفسون الصعداء بقرب انتهاء محنتهم، حتى اندلعت أزمة جديدة وقودها إشاعات حول وجود مؤامرة تحاك في السر أبطالها قياديو حركة النهضة الحاكمة وحلفاؤهم الجدد قياديو حركة نداء تونس.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد من اختلاق المشاكل وتخيل الصفقات التي ينفيها المتهمون بحياكتها، بل إن خبراء القانون الذين دخلوا دائرة الضوء أمس وأول أمس، ضاعفوا، من حيث يشعرون أو لا يشعرون، في توتر الأجواء وتعكير فرحة الشعب بقرب الفرج.
واتفق الخبراء على أن الحوار سياسي بامتياز فيما اختلفوا حول استيفائه للمقاييس القانونية الواجب اتباعها ومدى نجاح المشاركين في إشغاله في احترام الرزنامة الزمنية المحددة في بنود خارطة الطريق.
وقال أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد بإن الحوار لم يعتمد إلى الآن على شروط قانونية بل يتنزل في إطار توافق سياسي بين الأطراف المشاركة فيه مضيفا بأن الجديد فيه هو تعهد العريض باستقالة حكومته، مشددا على أن التعهد بالاستقالة لا يرقى إلى مرتبة الاستقالة الملزمة "باعتبار أنه وفق الدستور الصغير يتعين على رئيس الحكومة تقديم استقالته رسميا إلى رئيس الجمهورية."
وأوضح أستاذ القانون الدستوري، بأنه استنادا للفصل 15 من القانون المؤقت المنظم للسلطة العمومية، فإن رئيس الجمهورية هو الذي كلف على العريض برئاسة الحكومة بناء على ترشيحه من قبل حركة النهضة ذات الأغلبية بالمجلس التأسيسي.
وعليه، فإنها من الواضح أن حكومة على العريض لا تزال قائمة وفق هذا القانون، بما يعني أنه يحق لها العمل بكامل صلاحياتها واختصاصاتها التي يخولها لها التنظيم المؤقت للسلطة العمومية، ولا يمكن بالتالي أن تكون مستقيلة بمجرد رسالة إلى الرباعي الراعي للحوار الذي لا يملك شرعية المجلس التأسيسي ولا يعوضه بأي وجه من الوجوه، وهو ذات الأمر الذي أكده الحسين العباسي رئيس اتحاد الشغل الناطق الرسمي باسم الحوار الوطني.
واستنادا على كل ما تقدم، فإنها من المرجح أن تشهد الأيام القليلة القادمة خلافا استراتيجيا حادا، حتى قبل انقضاء المهلة التي حددتها خارطة الطريق بثلاثة أسابيع لرحيل حكومة الترويكا رسميا عن السلطة، أمام تمسك المعارضة ممثلة في جبهة الإنقاذ باعتبار حكومة الترويكا مستقيلة منذ يوم الجمعة الماضي على ضوء الرسالة التي وجهها رئيسها إلى البراعي الراعي للحوار وفيها تعهد بالاستقالة وفق بنود خارطة الطريق.
وفيما تلتزم قيادات حركة النهضة الصمت حيال هذا الأمر، تتزايد التصريحات والقراءات بشأن فحوى رسالة العريض التي كانت بمثابة ورقة العبور إلى الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني بعد تسلم الرباعي للرسالة وعدول جبهة الإنقاذ عن مقاطعتها للحوار.
في المقابل، يعتبر الدكتور فرحات الحرشاني أستاذ القانون الدستوري، بأن الأحزاب المشاركة في الحوار ملزمة بإنجاحه بوصفها ممثلة في المجلس التأسيسي السلطة الشرعية العليا في البلاد، بالرغم من أن الصبغة السياسية للحوار الذي يجري خارج الأطر التقليدية التي انتجتها النصوص القانونية على غرار الدستور الصغير المنظم للسلطة العمومية.
وبالرغم من تعثر الجلسة الثانية للحوار يوم السبت بعد تواصل الجلسة الافتتاحية إلى ساعة متأخرة جدا من ليل الجمعة، بسبب تعدد التصريحات والتصريحات المضادة وتواصل مسلسل المشاحنات بين ممثلي الترويكا والمعارضة داخل قاعة الاجتماعات التي غذتها وسائل الإعلام المتربصة بالمشاركين على باب القاعة، إلا أن المشاركين في الحوار سواء داخل السلطة أو خارجها يعتقدون أن بمقدورهم الوصول بالحوار إلى بر السلامة.. إلا أن كل شق يرمي بأسباب التعثر، غير المتعمد، على الشق الأخر، مما ضاعف من حدة التوتر الذي ميز تدخلات بعض قيادات المعارضة والنهضة الحاكمة.
ويتطلع المتتبعون للشأن المحلي، بكل تفاؤل إلى تصريحات بعض القيادات السياسية المشاركة في الحوار بخصوص عودة الثقة تدريجيا إلى نفوس المتحاورين بعد انطلاق الجلسة الافتتاحية بالرغم من تأكيد المحللين السياسيين بأنه لا يمكن الحديث عن ذلك بهذه السرعة خاصة على خلفية الاختلافات الجوهرية التي لا تزال قائمة بينهم وبالنظر إلى تواصل التصريحات النارية لهذا الشق وذاك.
فلا أحد ينكر أن التاريخ شاهد على السجالات العميقة ومسلسل الجدل العقيم الذي ميز الساحة السياسية وجعل الأحزاب السياسية في تناحر مستمر منذ انتخابات 23 أكتوبر 2011 بما يعني أنه من الصعب الحديث عن عودة الثقة بين طرفي النزاع حتى وإن كانت الترويكا قد خضعت لضغوطات جبهة الإنقاذ والحراك الشعبي، وقبلت بخارطة طريق الرباعي الراعي للحوار، والتي تنسجم إلى حد بعيد مع طلباتها الأساسية التي رفعها اعتصام الرحيل وطغت على مظاهرات الأسبوع المنصرم.
والحقيقة التي لا مفر من الاعتراف بها، أن الفاعلين السياسيين بمن فيهم المنظمات الأربعة الراعية للحوار وعلى رأسها اتحاد الشغل، بدأوا يتلمسون طريقهم إلى التوافق بشأن تنفيذ بنود خارطة الطريق، وبإمكانهم النجاح في مسعاهم إذا اقتنعوا بأن مصلحة الجميع في التسريع بالانتهاء من المسار التأسيسي ثم الشروع في مناقشة المسار الحكومي.
فالملاحظ أن ما أسماه على العريض "بتلازم المسار التأسيسي مع المسار الحكومي" ووضعه كشرط لتفعيل استقالة حكومته، يجب أن يكون وفق رزنامة معقولة قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، إلا أن المشاركين في الحوار ارتأوا الانطلاق من النهاية أي من المسار الحكومي الذي وضعوا له لجنة تعنى بتوضيح معالمه، فيما يستعد أعضاء المجلس التأسيسي المنسحبين منه إلى العودة إلى مقاعدهم للمساهمة في التعجيل بإنهاء النظر في الدستور وفي الهيئة المستقلة للانتخابات.. وهي مهمة عسيرة سوف تستغرق أشهرا.. وهو الأمر الذي يتجنب قياديو المعارضة الخوض فيه فيما تركز عليه حكومة الترويكا نقاشاتها.
في سياق غير متصل، تتواصل الحملات الأمنية في كامل البلاد من أجل إلقاء القبض على عناصر الجماعات المسلحة التي قامت بأعمال إرهابية خلال الفترة القليلة الماضية ذهب ضحيتها عدد كبير من أعوان الأمن، كما تنشط الفرق الأمنية المختصة من أجل تفكيك العصابات الإرهابية المنتشرة في المحافظات التونسية وقراها وأريافها مما يشكل تهديدا صارخا لاستقرار البلاد.
ولا تزال القوات الأمنية والعسكرية تحكم قبضتها على مداخل المدن في إطار مخطط محكم الهدف منه ترويع العصابات المسلحة التي بدأت عناصرها تتساقط الواحد تلو الأخر، وإفشال مخططاتها التي كانت تنوي تنفيذها بتفجير مؤسسات سيادة وافتكاك السلطة.
ويتساءل التونسيون اليوم عن سر عدم إعلان التنظيمات الإرهابية عن مسئوليتها في الاغتيالات التي طالت أعوان الأمن ورجلي سياسة من الشق المعارض.