سحرة الإخوان
قد يخدعك بعض الناس بعض الوقت، ولكن ليس في إمكان أحد أن يخدعك كل الوقت، وحين ظهرت جماعة الإخوان على ظهر الأرض ظن الناس أنهم من أهل الله وخاصته، فالمظهر قد يخفي حقيقة الجوهر، وكلنا ننظر في الوهلة الأولى للشعارات دون أن نبحث عن المحتوى، فنظن أن فئة من الفئات أو طائفة من الطوائف هم من أولياء الله وهم يخفون في نفوسهم أمرا ويظهرون أمرا آخر كأنه قبة عالية مزخرفة بالنقوش.
فنقول كما قال أجدادنا «تحت القبة شيخ» وما هو بشيخ ولكن مسخ مشوه، نظرتنا السطحية هذه قد تقودنا إلى التهلكة إن لم نكتشف الخداع مبكرا، أمعن النظر في الأقوال، ثم راقب الأفعال، ولا تبحث عن مبرر إذ زاد انفلات الأفعال عن الحد وبلغ السيل الزبى، واعلم أنه «ليس كل من ركب الحصان خيَّال» وليس كل من أطلق لحيته وقرأ القرآن ورفع الأذان وصلى أمام الناس، مؤمنا حقا، وقد أتقن الإخوان القيام بدور السحرة الذين يسحرون أعين الناس ويسلبون مشاعرهم، والطامة أنهم يسحرون أعين الناس ليسرقوهم.
ولكن تكشفت لنا أخيرا الحقيقة التي طمرتها القيادات في كهوفها السرية فظلت مخفية زمنا ـ وما زالت مخفية على أعضاء الجماعة السذج ـ حقيقة أنهم لا يريدون خلافة إسلامية بمقاصدها العليا، ولكنهم يريدون خلافة إخوانية، الخلافة التي يريدها كبار الإخوان هي خلافة على شكل الخلافة الأولى ورسمها، دون أن تكون على منهاج النبوة، ويالها من مسافة شاسعة تلك التي بين الشكل والمنهج.
لم تكن عقولنا حين كنا صغارا قد استوت على سوقها ونضجت، فلم نر إلا حلمنا ولم نر العالم كله، لم ندرك أن الواقع الآن غير واقع العصور الأولى، والأحكام تتغير بتغير الزمان، وشكل أنظمة الحكم في العالم في زمن الخلافة الراشدة يختلف عن شكل أنظمة الحكم في واقعنا، ويقينا لا تثريب على الأمة أن تنشد توحدا للأمة «واعتصموا بحبل الله جميعا» إلا أن هذا الاعتصام ينبغي أن يكون أول ما يكون في مقاصد الشريعة، فكيف تعود الخلافة على شكل الخلافة الأولى وهي تخاصمها في العدل والمساواة والحرية، ستكون آنذاك كبيت العنكبوت، أو ستصبح خلافة ضرارا كمسجد الضرار، وستعود بنا إلى خلافة «الرجل المريض» ثم إن استدبار الماضي للأخذ به كما كان من أجل تطبيقه على واقع مختلف لن يدفعنا للأمام أبدا بل سيعيدنا إلى قرون مضت.