مدنيون.. مغيبون!
رفض أحد الشباب الذين قادوا حركة تمرد، الظهور في برنامج تليفزيونى بصحبة عضو بجبهة الإنقاذ للحوار حول موقف القوى المدنية من الانتخابات القادمة لمجلس الشعب.. أصر الشاب على أن يجرى المذيع الحوار معه منفردًا بحجة وجود خلافات في وجهات النظر بين الطرفين، وقد استجابت القناة لطلب قيادى تمرد ما دفع عضو جبهة الإنقاذ إلى انتقاد موقف الجماعة الساعى للعمل منفردة، وقد أعلن عن نوايا تمرد في خوض الانتخابات القادمة في جميع الدوائر الانتخابية وهو أمر يفوق قدراتهم.. وإمكاناتهم البشرية والمادية.
وعندما جاء الدور في الحوار على عضو تمرد.. رد الصاع صاعين.. وأشار إلى أن الجبهة تعيش في الماضى ولم تدرك التغيرات التي حدثت بعد ثورة 30 يونيو ما يدعوها إلى مراجعة مواقفها وإعادة تقدير حجم تأثيرها في الشارع.
الحقيقة أن الطرفين يحتاجان إلى مراجعة مواقفهما حتى لا تصدمهما نتائج الانتخابات القادمة إذا أصرا على الابتعاد عن نبض الشارع، وانشغلا عن العمل الجماهيرى بخلافات لا تسمن ولا تغنى من جوع، نجحت «تمرد» في بلورة حالة الرفض الشديد لحكم الإخوان وجمعت ملايين التوقيعات المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة وعندما رفض المعزول الاستجابة للمطالب الجماهيرية تفجرت المظاهرات المليونية غير المسبوقة في تاريخ مصر وساند الجيش المطالب الشعبية.
لا شك أن مبادرة تمرد تستحق كل تقدير.. لكن هذا لا يعنى أن الشعب قدم لهؤلاء الشبان تفويضا على بياض لقيادة المسيرة، وعندما تسعى تمرد إلى شق صفوف التيار المدنى بالعمل وحدها.. نقول لها.. هذا أمر مرفوض تمامًا.. أما التيار المدنى الذي يضم أحزابا عديدة.. بعضها أنشئ بعد ثورة يناير فلابد من الاعتراف بأن فاعليتها في الشارع منقوصة.. ومعظم رموزها توقفوا عند إطلاق الشعارات التي لم تعد تقنع المواطن المصرى.. الذي يواجه انعدام الأمن وتفشى البلطجة وتوقف السياحة وإغلاق المصانع..
والقائمة تطول، شبع المصريون من التصريحات التي يتسابق أعضاء الجبهة على إعلانها، بينما لم يقدم أحد منهم خطة محددة ومشروعا عمليا يساعد على حل المشاكل المتراكمة ويخفف من معاناة المصريين الذين راهنوا على ثورة يناير وامتداداتها ولم يتحقق لهم سوي إنجازات محدودة، لذلك تبدو الخلافات بين التيارات المدنية غير مبررة، خاصة أنه لا يوجد تيار منها قادر على مواجهة جماعات الإسلام السياسي في الشارع.. لا في الفضائيات..
يبدو أن الذين يثيرون تلك الخلافات.. لا يدركون حجم المؤامرات الداخلية والخارجية التي تسعى إلى ضرب الثورة وإعادة الإخوان إلى حكم مصر، ولا يتابعون عن كثب الهياكل التنظيمية التي تتشكل في الداخل بتمويل خارجى لتحقيق هذا الهدف وهو ما لن يتحقق إلا عن طريق شرخ وحدة التيار المدنى وإحداث انقسام في صفوف القوى الصلبة داخل هذا التيار على رأسها جبهة الإنقاذ وشباب تمرد الوطنى، ولا أشك في أن أعضاء الجبهة.. وشباب تمرد يتابعون ما تبثه قناة «الجزيرة» في برامج تغذى تلك الخلافات..
وتبشر مشاهديها بأنها ستقود إلى عودة النظام البغيض، لا أحد يلوم تلك القناة التي لم تخف هدفها في إشعال الفتن بين المصريين وها هي الفرصة تأتيها على طبق من ذهب ومن خلال «التراشقات» التي تجرى على شاشات التليفزيون.. بين قوى يفترض أنها تسعى إلى تحقيق مجتمع مدنى يتساوى فيه جميع المواطنين ويحقق العدالة الاجتماعية لهم، المتابع ولو بحكم المهنة لبعض ما تقدمه "الجزيرة" لن يحتاج إلى بذل جهد كبير لإدراك أنها لم تفقد الرهان على حدوث انقسام داخل التيار المدنى.. ويجب ألا نمكنها من تحقيق هذا الحلم.