الحوار فى الزمن الصعب
من الصعب في مثل الظروف التي نعيشها أن يقول أحد رأيه فيما جرى ويجرى على الساحة دون أن يكون هدفا لمدفعية ثقيلة تأتيه من هذا الطرف أو ذاك، نظرا لحالة الاحتقان الحادة التي يعانى منها المجتمع بشكل عام.. ومن ثم، فإن أي كاتب أو باحث يتحسب لهذه المدفعية، معناه أنه لن يقول رأيه مهما كانت قناعته بصوابه.. لذا، فإن البعض من الكتاب يؤثر الصمت أو الكتابة في موضوعات بعيدة لا علاقة لها بالاحتقان الموجود..
لاشك أن الوضع معقد ومتشابك ومتداخل، وليس من السهل التعامل معه..على سبيل المثال، لدينا قتلى في عهد كل من: مبارك، والمشير طنطاوي، والدكتور مرسي، والمستشار عدلى منصور، ولدينا تحقيقات بشأن هؤلاء القتلى لم تظهر نتائجها بعد.. ولدينا عمليات إرهابية في سيناء وفى غيرها سقط فيها قتلى من الجيش والشرطة.. ولدينا قوى ثورية (منها من يدافع عن ثورة ٢٥ يناير، ومنها من يدافع عن ثورة ٣٠ يونيو، ومنها من يدافع عنهما معا)، وقوى أخرى حزبية تقليدية وغير تقليدية (ليبرالية وقومية ويسارية)، وجماعات وأحزاب إسلامية.. هذه الأخيرة أصبحت تمثل مشكلة فكرية وسياسية وأمنية بالنسبة لنظام الحكم الذي نشأ نتيجة ثورة ٣٠ يونيو، وبعد الإطاحة بحكم الإخوان.. يزيد من تعقيدات هذه المشكلة تداخل فصائل إسلامية مع بعضها تحت لافتة ما سمى بــــ "التحالف الوطنى لدعم الشرعية"، والتي تضم في الأساس الإخوان، والجماعة الإسلامية، وقطاعا من السلفيين، والسلفية الجهادية..
سوف يقتصر حديثنا هنا عن الإخوان، على أساس اعتبارين؛ أولهما: أنهم الفصيل الأكبر، وثانيهما: لسابق معرفتى بهم.
وقد سمعنا مؤخرا أن هناك من يدعو لإجراء حوار فكرى مع شباب الإخوان العاديين بهدف مراجعة أفكارهم.. هذه الدعوة يجب أن تضع أمامها أمرين، الأول: أن كثيرا من قيادات الإخوان موجودون الآن في السجون، وبعضهم محال إلى محاكم جنايات، والثانى: الملاحقات الأمنية لقيادات الصفين الثالث والرابع للإخوان، وكلا الأمرين يلقى بظلال سلبية على أي حوار.. كما أن الداعين إليه لا يقدرون مدى الارتباط الفكرى والعاطفى والوجدانى بين هؤلاء الشباب وبين قياداتهم، خاصة مكتب الإرشاد..
إن أجيالا من الإخوان تربوا على ثقافة السمع والطاعة والثقة في القيادة على مدى عقود طويلة.. ساعد على ذلك:
(١) تفانى قيادات الجماعة، إضافة إلى التضحيات الكبيرة التي قدمتها، والغبن الذي وقع عليها عبر سنين طويلة من سجن واعتقال وتعذيب.. إلخ.
(٢) المعاملة الطيبة التي يلقاها أفراد الصف من القيادات، فضلا عن المتابعة لأحوال الأفراد والسؤال عنهم وعن أسرهم، خاصة أثناء فترات الاعتقال والحبس الاحتياطي..
(٣) خاصية التكافل التي تبثها قيادات الجماعة بين الأفراد، سواء في المناسبات الاجتماعية أو أثناء الاعتقال..
(٤) أسلوب اختيار الأفراد والقيادات داخل الجماعة الذي يراعى مبدأ "التوثيق والتضعيف".
(٥) أن أعضاء مكتب الإرشاد هم النواة التي يلتف أو يتجمع حولها أفراد الصف، وبالتالى هم يمثلون - من الناحية الإدارية والتنظيمية - القلب بالنسبة للجماعة.
وقد ترتب على العوامل سالفة الذكر وجود قناعة كاملة لدى أفراد الصف بأن قيادات الجماعة هي المصدر الوحيد والموثوق به الذي تأخذ منه الأوامر والتعليمات والتوجيهات، وأنها الأعلم والأحكم والأقدر على قيادة الجماعة، وذلك بما أتاح لها موقعها من اطلاع على كل المعلومات والبيانات الخاصة بالهياكل الإدارية والتنظيمية، والأقسام المختلفة، واللجان الفنية والنوعية للجماعة، وكيفية عملها وطريقة سير كل منها من حيث الخطط والبرامج.. وتزداد هذه القناعة في أوقات الشدة، حيث يكون أفراد الصف أحوج ما يكونون إلى قيادات لها خبراتها العميقة وتجاربها الطويلة مع "المحن"..