ليلة فى زنازين القذافى!
عامان على رحيل القذافي.. نتذكر الآن الرجل الذي ملأ الدنيا ضجيجا وصخبا.. ونتذكر الآن سنوات طويلة في متابعة العقيد الأشهر في تاريخ العالم وتاريخ الرتبة العسكرية.. نتذكر ونحن طلبة صغار نتجمع في بيت أحدنا نتابع العدوان الأمريكي الإجرامي على ليبيا عام 86 والذي قتلت فيه ابنة القذافي بالتبني.. نتذكر الآن دفاعنا عن الرجل باستماتة ضد كل محاولات تشويهه قائلين على الدوام "إنه يكفيه أمران لا نريد ثالثا لهما: إيمانه الذي لا ينتهي بالوحدة العربية وعدم اعترافه بالعدو الإسرائيلي.. ولكن نتذكر الآن كيف قضينا ليلة في زنزانة رديئة في سجون القذافي..!
فقبل سنوات كنا في طريق العودة برا من تونس بعد أن شاركنا في مخيم الشباب القومي العربي.. كنت نائبا لرئيس الوفد ورئيسه كان المحامي والحقوقي البارز الأستاذ ياسر عبد الجواد.. وفي الطريق.. وفي ليلة سوداء قولا وفعلا.. كان الأتوبيس العملاق يقطع الأراضي الليبية قطعا.. كالسهم ينطلق بين صحراء وساحل.. الأولى جدباء والثاني مظلم.. ثلاثة آلاف كيلو متر تقريبا بين تونس العاصمة والقاهرة.. طريق ممل وطويل.. ورغم ذلك يستوقفك ضباط ليبيا للتفتيش كل عدة كيلو مترات دون إدراك أن غيرهم فتشنا قبل دقائق.. وفي كمينا استكمنه القدر.. وكل الزملاء نائمون من الإرهاق والتعب والحزن على مغادرة تونس الخضراء العربية الحبيبة وشعبها المضياف الكريم.. وفي نقاط التفتيش لم يفرق المفتشون بين أتوبيس يحمل وفدا شعبيا رسميا وبين عمال غلابة يجبرهم أكل العيش المر على قبول ما لا يقبلونه في ظروف أخرى.. كان الضابط يوقظ الزملاء بطريقة همجية.. أحمق يفزع الناس ليراجع جوازات سفرهم بالضرب بالأيدي.. وصل إلى المقعد الذي أمامي وضرب بقوة زميلنا جلال عوارة المذيع المحترم بقناة النيل الآن في كتفه وقد كان نائما.. وبين زمجرة الزملاء وغضبهم مما يجري كان لابد من رد.. قمت ولا أعرف كيف وصفعت الضابط الليبي بالقلم! هكذا!
توقفت الأنفس في السيارة .. حبسها كل ذي نفس.. عاد مساعدو الضابط من خلف السيارة وأحاطوني.. فما فعلته لم يحدث في ليبيا قبل الآن.. قالوا فيما بعد إن الضابط هناك هو القانون وهو السلطة.. هو القضاء وهو القاضي.. طلبوا مني النزول من الأتوبيس.. لمحت تدبيرهم لأمر ما.. بل وحصارهم للسيارة بالكامل من كل الجهات إلى حد إيقاف المرور كله على الطريق السريع طرابلس - بنغازي.. رفضت الاستجابة لطلبهم وقلت في تحد أيضا: "للوفد رئيس ولن أنزل من هنا إلا إن طلب مني رئيس الوفد ذلك".. ربما كانت رغبة في البقاء بعيدا ولو دقائق عن المجهول.. الغيب الذي لا نعلم ما هو على الأرض المظلمة بصحرائها وساحلها والتي لا قانون فيها ولا دستور.. قطع الصمت رد الضابط الليبي متحديا وقائلا: " أنت ورئيس الوفد ستنزلان".. ولم أكن أعلم أنني ظلمت معي رئيس الوفد كثيرا بما قلته..
وللحديث بقية..