مصر تخرج من عباءة أمريكا.. تسريبات بشأن تعويض المساعدات العسكرية الأمريكية ببدائل روسية.. واشنطن راهنت على «الإخوان» فخسرت كل شىء.. والدب الروسي يعود لدوره في الشرق الأوسط
حالة شد وجذب شهدتها العلاقات المصرية الأمريكية بعد ثورة يناير أثناء حكم المجلس العسكري وحكم الرئيس المعزول محمد مرسي، تجلت مؤخرا وبوضوح في قرار الإدارة الأمريكية بتعليق المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر.. ومن الواضح أن واشنطن لم تعد ترى في مصر حليفا أمنا، خاصة بعد إلقاء الإدارة الأمريكية بكل أوراقها على طاولة النظام الإخواني الذي أُريد له أن يسود بالمنطقة تحت رعاية تركيا العضو بحلف شمال الأطلنطي فإذا بالفكرة تنقلب رأسًا على عقب بعد الإطاحة بالرئيس مرسي من قبل المؤسسة العسكرية.
أكثر من ثلاثة عقود عاشتها مصر في الحضن الأمريكي، منذ اتفاقية السلام مع إسرائيل والتي تمت برعاية أمريكا ومصر تدور بمدى السياسة الأمريكية سواء بخياراتها على المستوى الإقليمي أو على مستوى الارتباط الاقتصادي والعسكري، والذي تمثل في مساعدات عسكرية سنوية كانت جزءًا أصيلا من اتفاقية السلام تضمن بموجبها مصر عدم حصول هوة نوعية أو كمية "كبيرة " بينها وبين عدوها القديم والمؤجل "إسرائيل".
وتضمن الولايات المتحدة عدم اتجاه مصر لدخول تحالفات تؤثر على نفوذها بالشرق الأوسط، سواء بالاتجاه شرقًا نحو روسيا والصين أو بقيادتها لتكتلات إقليمية من شأنها التأثير على التواجد الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط.
بعد ثورة 25 يناير ثارت حالة جدل على مستوى الخبراء والمتخصصين بشأن الخيارات الاستراتيجية لمصر ما بعد مبارك، ما بين من تفاءل بخروج مصر من الهيمنة الأمريكية وقيادتها لمنظومة إقليمية جديدة تساعد دول المنطقة على التخلص من النفوذ الغربي وبين من نظر إلى ما حدث أنه محض تغيير للوجوه بلا محتوى جيوسياسي مؤثر.
يرى الكثيرون من متابعي الشأن المصري والإقليمي أن مصر يجب أن تحول التهديد الذي يمثله قطع المساعدات العسكرية من قبل الإدارة الأمريكية إلى فرصة تخرج مصر على إثرها من التبعية للولايات المتحدة وتستعيد قرارها الوطني.
والواضح أن الولايات المتحدة تعيش مأزقًا كبيرا على المستوى الدولي وخصوصا فيما يختص بالانحسار التدريجي لنفوذها بالمنطقة العربية والإسلامية، تجلى هذا مؤخرا بقوة في الشأن السوري حين تراجعت واشنطن عن إرادتها للقيام بضربة عسكرية لسوريا بعدما ملأت الدنيا ضجيجًا عن نوع الضربة وكيفيتها وتوقيتها وأهدافها، مظهرة ضعف الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة وتهافت مواقفها وتراجعها أمام عودة الدب الروسي للعب دور رئيسي بالصراعات الدائرة بالمنطقة بعد سنين طويلة من الغياب الروسي عن التأثير بالشرق الأوسط.
رسائل إيجابية كثيرة وصلت لمصر على لسان مسئولين بالحكومة الروسية منذ تعليق الجانب الأمريكي للمساعدات العسكرية لمصر، تراوحت بين إعلان روسيا تفهمها الكامل لموقف مصر من مكافحة الإرهاب بسيناء، وبين تسريبات على لسان مسئولين ودبلوماسيين روس عن دراسة روسيا لإمكانية تعويض المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر ببدائل روسية (تلك التي انتصرنا بها سابقا في حرب أكتوبر برغم التفوق التقني للسلاح الأمريكي والغربي الذي كانت تستخدمه إسرائيل)، كان أخرها ما قاله مسئول بالسفارة الروسية بالقاهرة أن أمام روسيا كل الخيارات لمساعدة مصر بما فيها المساعدة العسكرية، الأمر الذي تزامن مع زيارة وفد شعبي مصري لروسيا وتسريبات عن زيارة مرتقبة يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمصر.
ويبقى تساؤل واحد يحمل الكثير من الوجوه ويقتل بحثا هذه الأيام من الخبراء والمتخصصين بالشأن السياسي والاستراتيجي وتجيب عنه الأيام والشهور القادمة، من الخاسر الحقيقى من خروج مصر من حلفها التاريخي بالعقود الثلاثة الماضية مع الولايات المتحدة، هل هي مصر أم واشنطن؟!