مصر دولة أم قبائل على أُسس دينية وأيديولوجية؟
نُعالج أي قضية بالمنظور الذي نراها به.. وعلى ذلك فقد قدم المسئولون العزاء في حادث كنيسة الوراق إلى البابا تواضروس الثاني، وكأنهم يرون أن المصاب مسيحي وليس مصريا.. وبذلك تخطوا حقيقة أن الهدف من استهداف المصريين الذين كانوا بالكنيسة، هو الوحدة الوطنية وبالتالي مصر، وحددوا المسألة في استهداف بعض المسيحيين فقط.
لقد حدث هذا في بلاد تتغنى بالوحدة الوطنية طيلة الوقت، بينما يُعزي غالبية المسلمين فيها أي قتيل بوجه عام في الوطن، بقولهم: "اللهم أرحمه وأرحم جميع أموات المُسلمين" أو يقولون في حال أنهم يصفون مكانا بكونه بعيدا: "في آخر بلاد المُسلمين" وغير ذاك من الثقافة فيها!! نعم: هي ثقافة، لا يُمكن لأحد أن ينكرها، وأقرأها وأسمعها يومياً الآن، مع الإرهاب الذي نشره الإخوان الشياطين ولن تتغير إلا بإرساء ثقافة وفكرة الدولة لا القبيلة!!
فالنظام الحاكم ومنذ أزمان، يُساهم في إرساء وترسيخ الفتنة، بكونه يُعزي الكنيسة في كل حادث إرهابي ضد المسيحيين، ويتعامل مع الأمر وكأن المسيحيين ضحايا، وليس المصريين ككل.. فالهدف المؤكد في النهاية، هو إحداث تفرقة وتقسيم المصريين.. وهكذا، يؤسس النظام لتقسيم مصر!!
لذا أرفض كُلياً أن أعتبر المسيحيين ضحايا، ولكن الوطن ككل هو الضحية بذاك الإرهاب المُستمر!! فالمصريون ليسوا قبائل في الوطن، على أُسس دينية أو أيديولوجية، ولكنهم يقطنون دولة، وفي الدولة، لا يرفعون شعاراً لها "هلالاً أو صليباً"، ولكن علماً يمثل الجميع.. ولكن وفقاً لما نحياه من تقديم العزاء للكنيسة في استهداف بعض المواطنين على أُسس دينية، نُجاري نحن المُجرم ليكون ردنا على أُسس دينية أيضاً وليس على منبر وطني، ضام لجميع المواطنين!!
إن الاستمرار في النظر إلى المواطن من خلال دينه في الوطن، إنما يلغي فكرة الدولة من الأساس، ويُسيد الفكر الإخواني القبلي، ويخلق له منابع أخرى أكثر عُمقاً من تلك الناتجة عن التمويل لجماعة شيطانية.. فهو يُرسخ الانقسام في الأذهان، ويجعله إيمانا في الأفئدة!!
والرؤية المصرية الشاملة لا تُغيب الدين عن الدولة، ولكنه يظل في علاقة الفرد بربه وفي صلته وعلاقته مع الله، سواءً كان ذلك في مسجد أو كنيسة.. فالله من يحاسبنا والدين لله والوطن للجميع، أم أنها شعارات نتغناها فقط ولا نؤمن بها؟!
إن معنى العزاء للكنيسة أيضاً، هو أننا نعتبر الإخوان جزءًا منا، وهم ليسو كذلك.. فهم يستهدفوننا كما يستهدفنا أي عدو.. ولا يجوز أن نتحمل وزر الإرهابيين إلا إن كُنا منهم.. فلا نشعر بالعار من جراء الإجرام الإخواني، وكأن مسلمين قتلوا مسيحيين، ولكننا جميعاً كمصريين، نشعر بالاشمئزاز والغضب من مجرمين قتلوا مصريين!! فلا يجوز هنا أن نعتدي على الإسلام بوصمه بأفعال هؤلاء الإخوان الخوارج الفجرة!!
إننا مصريون مدنيون جميعاً، نحمل حُباً كبيراً لمصر في قلوبنا ونقف ضد الإرهاب، وحينما نقف معاً كمصريين يُصبح الاعتداء على الكنيسة مثله مثل الاعتداء على المسجد أو البرلمان أو الرئاسة أو بيتي أو بيتك أو أي بيت في مصر!!
فعندما نُدرك أن استهداف المسيحيين ضد جميع المصريين ومصر كلها، سنحل المُشكلة، ولكن طول ما احنا شايفين المصاب مسيحي، استحالة نحلها .. لأن القضية "مش بتاعتنا كلنا ولكن بتاعتهم لوحدهم" ونحن نتعاطف معهم لأنهم ضحايا وليس لأنهم مصريون!!
لا!!
لا للتعاطف إلا مع مصر المُستهدفة من الإرهاب، وكلنا فيها شعب واحد وما يصيب الواحد منا من الإرهاب، هو مصاب الوطن كله والمواطنين أجمعين!!
وتحيا مصر..