رئيس التحرير
عصام كامل

لعنة مريم!


كان " البرومو" الشهير في القناة الشهيرة يعرض كل حين وبتكرار ممل.. لكننا.. نتجاوز الملل إلى دلالاته حيث تطل منه تلك السيدة بصوتها الخشن العنيف تهدد وتتوعد وتقول بطريقة رديئة وإسلوب فج وكأنها تتحدى الشاشة: "وأقول للمسيحيين انتو عايشين وسطينا لكن هنوريكو وهنربيكو" !


وقبلها .. فتاوي من هنا وهناك.. تبيح الدماء وتستبيح معها كل شئ.. من الأعراض إلى الأموال.. ومن الحقوق العامة إلى الحقوق الخاصة.. حتى صار أمر سب وإهانة أشقاء الوطن تجارة مربحة تجلب لصاحبها إعجاب البسطاء والتفاف ذوي العقول الفارغة وضحكات أفواه مفتوحة على الدوام!

وبين الفتاوي التي لا ينكرها أحد.. لأنه لا يستطيع أن ينكرها أحد.. فالكتب موجودة.. والأشرطة موجودة.. والفيديوهات موجودة.. وبين صوت المرأة الذي لم تره عورة وهي تهدد وتتوعد.. قتلت مريم.. رحلت مريم.. صعدت عند ربها وخالقها.. وبين كل ذلك.. يغادر الخجل والأدب وجوه وعقول بائسة يائسة تستحقر الغضب لمريم!

وتندهش من حجم التضامن معها ومع أسرتها! وتستهجن حتي نقل الجنازة علي الهواء! وتقارن بين الغضب لمريم دون الغضب على ضحايا رابعة في تيبس ذهني لا مثيل له.. لا يفرق بين براءة تقتل غدرا وبين ضحايا اختاروا بأنفسهم أن يكونوا هناك في مواجهات تفاضل بين القبر والسجن.. ويلتبس عليها الأمر وهي أصلا ملبوسة ممسوسة بشياطين الجن والإنس لتقارن كما تقارن بين ضحايا حوادث الطرق وهم كثيرون.. وبين ضحايا حادث الكنيسة وهم أربعة فقط كما يقولون!!

أي عقول تلك؟ وأي خبل هذا الذي يقارن بين القضاء والقدر وبين التخطيط والتدبير والإجرام؟ أي غيبوبة تلك التي لا تعرف الفرق بين أقدار تصيب الناس كل الناس بلا تفرقة ونحزن ويحزن الجميع على ضحاياها .. وبين إجرام وإرهاب يستهدف بالنار فئة بعينها يهدر دمها ويزهق روحها ويمشي خلف جنازتها يغني أغنية الشيطان؟

أي حقد هذا؟! وأي سواد في القلوب هذا؟! وأي عمي في الابصار وفي البصيرة هذا؟! وأي لوثة في العقول تلك؟! وأي استغباء ذلك الذي يمارسه أهل الغباء؟!

وفي الآخر..
رحلت مريم.. لن يراها زملاؤها في مدرستها بعد اليوم.. لن تجهد أمها في إيقاظها عند موعد استيقاظها اليومي.. ولن تشتبك مع "اخوتها" في براءة كما اعتادت واعتادوا.. لن يذهب بها أبوها إلى حيث يذهب بها كل يوم ويعود.. ماتت مريم وهي عند ربها.. لن تعود من المدرسة تحمل واجبات كل يوم.. ولن تشكو من زميلاتها أو مدرساتها كما كانت تشكو وكما تشكو أي طفلة بريئة في مثل عمرها.. مريم عند ربها.. فليسخر من حزننا عليها من يسخر.. وليستهجن حزننا عليها من يستهجن.. وليندهش من كم الغضب مما جرى لها من يندهش.. فلعنة مريم لن ترككم.. ودمها الطاهر سيطاردكم.. في جنة الخلد يا مريم.
الجريدة الرسمية