رئيس التحرير
عصام كامل

عامان على رحيل "القذافي" والثورة لا تزال "محلك سر".. الشباب الليبي يؤكدون: بلادنا تعيش تحت شعار "كثير من العنف.. قليل من الحلم".. وخبراء سياسيون يحذرون: انتهاكات حقوق الإنسان تجاوزت مجازر"العقيد"

مظاهرات - صورة ارشيفية
مظاهرات - صورة ارشيفية

بعد عامين من مقتل الدكتاتور العقيد معمر القذافي وسقوط نظامه، يبدو أن شباب ليبيا لم يجد سوى فرص محدودة للعمل في سلك الكتائب المسلحة أو الاندماج في الجيش أو الشرطة. وكثيرون يتعلقون بالأمل رغم تبخر أحلامهم مع غبار الثورة.

بعد عامين على رحيل العقيد معمر القذافي الذي حكم البلاد طيلة أربعة عقود بالحديد والنار، لم تنعم ليبيا بعد بالأمن، فقد طالت الاغتيالات أكثر من 80 شخصية ولم تنجح هيئات الحكم المؤقت المتعاقبة، لا الحكومة الانتقالية ولا الحكومة المؤقتة ولا المكتب التنفيذي في تحقيق الأمن بالرغم من نجاح انتخابات المؤتمر الوطني وتصدير إنتاج النفط الذي توقف في عهد الحكومة المؤقتة بصورة كبيرة ومتقلبة.

رشاد عليوة شاب من مدينة مرزق بجنوب البلاد ويشتغل بهيئة التفتيش التعليمي، يقول لـ DW "مع بداية السنة الثالثة للتحرير يصعب الحديث عن ما تم انجازه في هذه المرحلة، وقد يجد الفرد نفسه أمام سقف تطلعات عال كان بمثابة الحلم الذي داعب كل الليبيين لما بعد حقبة النظام السابق. ثم اخذت هذه الآمال تتضاءل كنتيجة للواقع المر الذي خلفته تلك الحقبة وما نتج منها من تصدع في بنية المجتمع وكردة فعل لحرب التحرير".

سطوة الميليشيات ولغة السلاح


وتابع الشاب رشاد عليوة حديثه بمرارة وهو يوضح ظروف الواقع الحالي في ليبيا قائلا: "الملف الأمني هو الأهم في الأزمة الليبية الراهنة، إذ لم تستطع الحكومة السابقة والحالية انجاز اختراق حقيقي فيه". ويرى الشاب الليبي أن "توالد المشاكل والصعوبات يحدث نتيجة الاستعصاء في معالجة الملف الأمني، والذي نتج منه عمليات الاغتيالات والخطف وإغلاق حقول النفط والموانئ، حتى وصل الأمر بتغول بعض الجهات المتمترسة خلف السلاح بان تختطف رئيس الحكومة نفسه معلنة تمردها على المؤسسات الشرعية أيضا". ويعتقد عليوة أن تدهور الأوضاع الأمنية "نتيجة حتمية لانتشار السلاح وتغول الميليشيات والقبائل المسلحة".

بينما عبرت الشابة نرجس الغرياني مديرة التحرير في وكالة أنباء التضامن التي تنشر أخبارها على الموقع الالكتروني الخاص بها من العاصمة طرابلس بالقول في حديث لـ DW "التحدي الأكبر للدولة الليبية إن لم يكن الوحيد يكمن في السيطرة على الأوضاع الأمنية وهو ما فشلت الحكومة الحالية والسابقة في إنجازه، لذلك فإن البلاد لن تشهد فوضى أكثر من الفوضى التي تشهدها منذ إعلان التحرير في أكتوبر قبل عامين للسبب ذاته".

وأضافت "مُشكلة البلاد التي لا يفهمها الساسة أو ربما يتغاضون عنها، تكمن في السيطرة على الأوضاع الأمنية"، وأبدت نرجس استغرابها إزاء "تغييب الناس عن الأمر والذهاب إلى أمور أخرى كإسقاط حكومة أو استقالة وزير، لذلك لن يخرج الليبيون من أزماتهم المُتوالية إلا بتكوين أجهزة أمنية عقيدتها الله والوطن بعيدا عن أي انتماءات أخرى".

والتقينا أحمد عبد اللطيف الطاهر مهندس في مجال الحاسوب (30 عاما) بمدينة طرابلس، وتحدث لـ DW وهو يجلس في مقهى، قائلا "ما يميز ليبيا بعدها عن الطائفية والعرقية، لكن الثورة فتحت مجالا للتعبير عن الآراء لمختلف أطياف المجتمع، سواء المتأثرة بالدين، كالسلفيين وكذلك الإخوان والصوفيين، أو من تأثروا بفكر الحرية على المنوال الليبرالي والعلماني" ولاحظ أن الليبيين لم يعتادوا بعد على الوضع الجديد.

ولدى مقارنته أوضاع البلاد حاليا بما كانت عليه في عهد القذافي، لا يخفي الشاب الليبي أن البلد لا يزال يعاني مشاكل فساد واستغلال النفوذ والمحسوبية، لكنه يستدرك قائلا "الوضع الآن أفضل مما سبق، فالكل يتحدث الآن دون خوف".


التعلق بالأمل

وورغم حديثه بمرارة عن أوضاع بلده، يتمسك رشاد عليوة بالأمل ويقول "هناك بصيص أمل آخر يلوح في المشهد الليبي وهو الإعلان عن البدء في انتخابات لجنة الستين التي سيناط بها كتابة الدستور، ومن المؤكد أنه إذا نجح الليبيون في التوافق على وضع الدستور والتصويت عليه وإقراره سيكون اللبنة الأولى في بناء الدولة الجديدة الوليدة وبمثابة الخروج من عنق الزجاجة"، مبرزا أن "دعوات الحوار الوطني والمصالحة الوطنية هي من اللبنات التي سوف تسهم في بناء أساس متين لليبيا الجديدة، الذي يساهم فيها كل الليبيين دون إقصاء أو تهميش مع ضمان القصاص العادل ورد المظالم لمستحقيها لمنع تكرار شيء مقيت مشابه لما حدث في العهد السابق".

أما الشاب رأفت الهاشمي بالخير محرر أخبار بقناة ليبيا الوطنية التابعة للحكومة الليبية في العاصمة طرابلس، فيرى أن الأوضاع الحالية في ليبيا "أفضل" ويقول لـ DW "لا يمكن أن نصفها بأنها لبت سقف الطموحات العالي للشعب الليبي بعد انتفاضة فبراير، لكن هذا لا يمنعنا من التفاؤل لأن الحرية التي تطلعنا اليها حصلنا عليها وهذا إنجاز لا يمكن إنكاره".

ويعتقد بالخير أن "ليبيا تحتاج إلى الوقت فقط وتحتاج قبل ذلك إلى تحقيق المصالحة بين أبنائها ومع ذاتها من خلال ثلاثية "المصارحة - العدالة - المصالحة"، لكي نضمن أن تكون بلدا مستقرا في المستقبل".

بينما يقول أحمد عبد اللطيف الطاهر مهندس في مجال الحاسوب: "كل الناس ترغب في الاستفادة من مرحلة ما بعد سقوط نظام القذافي، تريد دولة حديثة وبرلمانا نزيها وحكومة متفانية في العمل، يريدون دستورا يحقق العدالة والأخوة بين كل أطياف الشعب، وبدورها المرأة ترغب في أن يكون لها مكان في الخريطة السياسية، وهناك أشياء رائعة رغم أن الأمان إبان الدكتاتورية في ليبيا كان أفضل".

ملفات ساخنة والأمن يتصدرها

وتتباين آراء الخبراء والمحللين بشأن حصيلة الأوضاع في ليبيا بعد عامين على رحيل العقيد القذافي، المحلل السياسي من مدينة بنغازي بشرق البلاد معتز رئيس تحرير قناة تليفزيون بنغازي - البي تي في – يقول في حوار مع DW "هناك عدة مبادرات تهدف إلى الخروج من الأزمة الحالية وهذا أمر جيد بشكل عام، ولكن الجانب السلبي في الأمر أن معظم هذه المبادرات أطلقت من قبل الأحزاب السياسية، وهذه مشكلة، لأن الأزمة أساسا سببها هذه الأحزاب المتنازعة".

لاحظ المحلل السياسي أن عددا من هذه المبادرات ذات طابع خطابي أكثر من كونها عملية وتمس الواقع. ولكنها تشترك في عدة نقاط منها إقالة حكومة زيدان وتكليف حكومة أزمة مصغرة وكذلك تعديل قانون العزل الذي أبعد العديد من الكفاءات الليبية عن الساحة السياسية.

وبرأي الناشط الحقوقي المهدي صالح أحميد، من إدارة المرصد الليبي لحقوق الإنسان بالعاصمة طرابلس، فإن الحرية التي أتاحتها الثورة لم توقف انتهاكات حقوق الإنسان المتواصلة.

ويرصد الناشط الحقوقي في حوار مع DW قائلا "هناك ارتفاع لسقف التعبير عن الرأي، لكن دون جدوى، فالانتهاكات لحقوق الإنسان لا تزال تعتبر ملفا خطيرا في ليبيا الآن، وتحدث أشياء لم نشاهدها حتى في أيام النظام السابق". وأوضح أحميد أن "الميليشيات ترتع فسادا ولا وجود لدولة القانون، وتنتهك سيادة البلد وحدوده التي تعمها عمليات التهريب بشتى أنواعها، والنفط تارة يتم إيقاف تصديره وتارة يُهرّب، ولا وجود لهيبة الدولة".

وقال الناشط الحقوقي بمرارة "الأحزاب وما يمثلها من ميليشيات هي من تسيطر وتحكم في الدولة. للأسف ليبيا ضائعة خلال عامين بعد الثورة ".


هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل

الجريدة الرسمية