رئيس التحرير
عصام كامل

ادعاءات بتورطه ﷺ فى قتل 19 شخصا

فيتو

هل يعقل أن يكون النبى الذى أرسله الله رحمة للعالمين قاتلا؟هل يصح أن يكون من عفا عن كفار مكة، وقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء،سفاكاً للدماء ؟..


نطرح هذا السؤال فى ظل إكثار أهل النفاق والزيغ الطاعنين فى شخص الرسول الكريم الحديث عن أمور لا تليق بمقام نبوته الكريمة، ولا ترقى امام الأدلة العقلية والنقلية السليمة»،

>> محمود علوان

المستشرقون يستدلون فى افتراءاتهم على النبى ببعض الروايات الضعيفة والموضوعة فى الكتب التاريخية، ويلجأون أحيانا إلى تلبيس الحقائق ليخرجوا بما يريدونه حول شخص النبى، ومحاولة إظهاره أنه كان رجلا قاتلا سفاكا للدماء، ويصل بهم الافتراء إلى حد أن طعنوا فيه بأنه قتل وأمر بقتل عدد من المعاصرين له، وصل إلى 19 رجلا وامرأة، وعلى رأسهم أبى بن خلف، وأبو عفك اليهودي، الذى كان قد بلغ من العمر 120 سنة، لأنه كان يهجوه بالشعر, وأنه قتل كنانة بن الربيع زوج صفية بنت حيى وأباها وعمها وكل قومها، بل وصل الأمر لمدعى مثل هذا القول أن كل هذا تم من أجل أن يستولى النبى على الكنز والغنائم وليأسر صفية وينكحها.

وتشتهر فى ذلك رواياتهم عن مقتل أم قرفة وهى فاطمة بنت ربيعة بن زيد التى يتهمون النبى صلى الله عليه وسلم بقتلها، رغم أن قاتلها هو زيد بن حارثة.

وفي الدلائل لأبي نعيم أن زيد بن حارثة قتل أم قرفة في سريته إلى بني فزارة، وقال صاحب فتح الباري: والغزوة السابعة ـ غزوة زيد بن حارثة ـ إلى ناس من بني فزارة, وكان خرج قبلها في تجارة فخرج عليه ناس من بني فزارة فأخذوا ما معه وضربوه, فجهزه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فأوقع بهم وقتل أم قرفة وهي: فاطمة بنت ربيعة بن بدر زوج مالك بن حذيفة بن بدرعم عيينة بن حصن بن حذيفة وكانت معظمة فيهم.

وذكر السرخسي في المبسوط: والمرتدة التي قتلت كانت مقاتلة، فإن أم مروان كانت تقاتل وتحرض على القتال وكانت مطاعة فيهم, وأم قرفة كان لها ثلاثون ابنا وكانت تحرضهم على قتال المسلمين، ففي قتلها كسر شوكتهم، و بذلك قال الذهبي في سير أعلام النبلاء، وذكر ابن عبد البر في الاستذكار أن النبى كان قد حكم بقتلها، وكان ذلك فى سرية زيد بن حارثة إلى بنى فزارة، حيث قاتلهم فى وادى القرى، وقتل قيس بن المسحر اليعمري يومها مسعدة بن حكمة بن مالك بن حذيفة بن بدر، ولما أُسرت أم قرفة مع عبدالله بن مسعدة، أمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر أن يقتل ام قرفة، فقتلها قتلاً عنيفاً، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنة ام قرفة، وبابن مسعدة, ‏ وكانت بنت ام قرفة لسلمة بن عمرو بن الأكوع .

ومن الروايات التى يبثها الحاقدون على النبى صلى الله عليه وسلم، أنه أرسل عمير بن عدّي إلى عصماء بنت مروان وأمره بقتلها لأنها ذمَّته، وبحسب الرواية التى وردت فى طبقات ابن سعد؛ فإن عميرا جاءها ليلاً، وكان «أعمى» فدخل عليها بيتها، وحولها نفر من ولدها نيام ومنهم مَن ترضعه. فجسَّها عمير بيده، ونحَّى الصبي عنها، وأنفذ سيفه من صدرها إلى ظهرها, ثم رجع فأتى المسجد فصلى، وأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما حصل، فقال الرسول «لا ينتطح فيها عنزان» وهذا الحديث قال عنه الألبانى إنه موضوع، وقال عنه ابن عدي وتبعه ابن الجوزي إن «هذا مما يتهم بوضعه محمد بن الحجاج».

من الافتراءات أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قتل أبا رافع بن أبى الحقيق وهو نائم، وهو كلام مردود عليه لأن القصة كما ذكرها صاحب الرحيق المختوم أن سلام بن أبي الحقيق والمكنى بأبى رافع، كان واحدا من أعتى مجرمي اليهود الذين لعبوا دورا كبيرا فى تحزيب الأحزاب ضد المسلمين وأنه لم يكتف بذلك بل أعانهم بالمؤن والأموال الكثيرة، وكان كثيرا ما يؤذي النبى، ويشير صاحب الرحيق المختوم إلى أن مقتله كان على يد جماعة من الخزرج الذين أرادوا مساواتهم بالأوس الذين قتلوا كعب بن الأشراف، فلما فرغوا من الاشتراك فى غزوة بنى قريظة، اجمع عدد من الخزرج على قتل من يكافئ ابن الأشرف فى عداوته للنبى فكان اختيارهم لأبى رافع الذى كان يجهر بأذى النبى ويعين عليه .

وفى البداية والنهاية يقول ابن كثير«لما أصابت الأوس كعب بن الأشرف في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت الخزرج: والله لا يذهبون بها فضلا علينا أبدا».

يؤكد ابن سعد فى الطبقات الكبرى أن الرواة اختلفوا فى عدد الغزوات التى خاضها الرسول بنفسه، ويشير إلى أن هناك شبه إجماع على أنه صلى الله عليه وسلم، غزا سبع وعشرين غزوة، وبعث بسبع وأربعين سرية، ولم يقاتل فى مغازيه سوى فى 9 غزوات هى بدر، وأحد والمريسع والخندق وقريظة وخيبر وفتح مكة وحنين والطائف.

ويستغل المنافقون قصة محمد بن سلمة التى وردت فى السيرة الحلبية لعلى بن برهان الدين الحلبى، وقتله كعب بن الأشرف الكافر الذى كان يؤذى الرسول أشد الأذى، بالقول أن النبى يبيح النفاق من أجل القضاء على أعدائه، وهو كلام مردود يرده أهل السيرة بالقول إن ابن مسلمة أراد بذلك الإذن من النبى بقول أشياء فى حقه حتى يتقرب من ابن الأشرف ويقضى عليه لما فعله من أذى للمسلمين وللنبى الكريم، والغريب أن الإخوان المسلمين يستدلون فى وثائقهم بتلك القصة لتبرير مواقفهم مع الليبراليين والعلمانيين وغيرهم من التيارات السياسية الأخرى، خاصة فى قضية إظهار شيء والعمل بشيء آخر، بقولهم إن دخولنا في الديمقراطية هو من باب قول محمد بن مسلمة للرسول ائذن لي أن أقول: « يعني حين تكلم مع كعب ابن الأشرف مستدرجا له بكلمات تنبئ عن تبرم محمد بن مسلمة من التكاليف التي كلفتهم بها الدعوة الإسلامية وقائدها العظيم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام « وأن الموقف من كل هذه الالتزامات الديمقراطية ليس إلا شبيها بتلك الكلمات وأن الأمر لا يخلو أن يكون تكتيكا وأن صناديق الاقتراع سوف توصلهم إلى ما يريدون فيحكمون بشرع الله .

من جانبه يؤكد أستاذ السيرة النبوية بجامعة المنيا الدكتور على عبد العزيز أن تلك افتراءات، على النبى الكريم وأن السبب فى انتشار تلك الروايات فى كتب التراث الإسلامى، وفى كتب السيرة النبوية إنما يرجع إلى الشعوبية التى انتشرت فى العصر العباسى، والتى لجأت إلى الإسرائيليات للطعن فى شخص النبى، وأنه كان هناك من الرواة من لا يدقق فى اختيار من يروى عنه، معتبرا أن العقل والنقل يؤكد كذب الادعاءات حول شبهة قتل النبى لهؤلاء, وأن الآيات القرآنية التى تؤكد رحمة النبى صلى الله عليه وسلم كثيرة منها « وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» وقوله تعالى « فبما رحمة من الله لنت لهم» وأيضا قوله» ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك».

ويضيف: كذلك فإنه يستحيل على رسول يريد تبليغ رسالته وإيصالها إلى العالمين، أن يخالف تعاليم الكتاب الذى يدعو به، وهو القرآن الكريم، فى مثل قوله تعالى «والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقى آثاما» الفرقان 68. وقوله تعالى « من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون» المائدة الآية 32, ثم إن مدعى تلك الافتراءات على النبى صلى الله عليه وسلم نسوا فى خضم دعوته أنه صلى الله عليه وسلم كان يوصى أصحابه الخارجين فى الغزوات ألا يقتلوا شيخا أو امرأة أو طفلا وألا يقطعوا شجرة، أو يضربوا بالنار لحديثه الشريف« لا يضرب بالنار إلا رب النار» .

ويؤكد الشيخ محمد أبو زهرة فى كتابه «حقوق الأسرى فى الإسلام» أن النبى صلى الله عليه وسلم كان أحرص الناس على احترام النفس البشرية، واتقاء إراقة الدم، وأنه لا صحة لما يتناقله بعض الحاقدين على الإسلام ونبيه من أنه كان يقتل أسراه، ويدلل على ذلك بعدد كبير من الأحاديث النبوية التى تحث على احترام النفس البشرية وحمايتها ومنها قوله صلى الله عليه وسلم «لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا»، كما انه نهى عن التمثيل بالجثث, فقال صلى الله عليه وسلم «إياكم والمثله ولو بالكلب العقور»

بالإضافة إلى خلقه الشخصى الذى وصفته أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها فى الحديث المروى عنها أنها قالت تصف خلقه « كان خلقه القرآن» .
الجريدة الرسمية