الكرة.. لا تزال فى جيبى
برع الكاتب إحسان عبد القدوس، فى تصوير مشهدى النكسة والانتصار فى عيون الشعب المصرى فى الفيلم السينمائى "الرصاصة.. لا تزال فى جيبى"، حين يصادف محمد الجندى الشاب فى القطار مجموعة من المواطنين بعد النكسة ويسخرون منه فى مشهد انكسار حقيقى، ثم تمر السنوات ويتكرر نفس المشهد وفى القطار أيضا ولكن بعد انتصار أكتوبر ١٩٧٣، ولكنهم هذه المرة يهللون للبطل الجندى محمد الذى عاد منتصرا فى الحرب. هذا باختصار هو مشهد الانكسار والانتصار.
وإذا كنا فى هذا الوقت نحتفل بمرور ٤٠ عاما على نصر أكتوبر، وجاءت مباراة كرة القدم لتنقذ فترات من الانكسار يمر بها الوطن، وعقدنا الآمال على أقدام لاعبين كنا نعتبرهم جنودا فأذلونا، كنا سنرفع رايات النصر لكنهم نكسوها قبل أن يصلوا، رأيناهم صغارا وكنا نظنهم أبطالا، ومثلما كانت السخرية من الجندى الذى عاد بعد النكسة كانت السخرية أيضا قد نالت من اللاعبين المصريين الذين أنهوا كل صلاتهم بكرة القدم وهم على شفا الاعتزال بفضيحة، فسخر الشعب بأكمله منهم.
ولم أكن أتصور أن يصل الحال ببعثة المنتخب المصرى لكرة القدم وقت وصوله إلى مطار القاهرة الدولى أن يخرجوا من البوابة ٣٥ الخاصة بقرية البضائع، نعم هذه بضاعتهم ردت إليهم، أذلوا الشعب طوال ٩٠ دقيقة فاحتقرهم الشعب، وكانوا فعلا مثلهم مثل البضاعة ولكنها فاسدة، غير رائجة، خشوا أن يواجهوا من دمعت عيناه وهتف باسم البلد، لم يكونوا أبطالا وإنما "أندالا"، خسروا دون شرف، عادوا منكسي الرءوس بفضيحة.
ورغم أن مشهد الجندى الشاب الذى عاد من نكسة، عانى منها الجميع إلا أن بداخلهم إحساسا أنه هو من تسبب فيه بقصد أو دون قصد، وهكذا الحال مع اللاعبين، هم أبطال النكسة وأصحابها، وإن كنا نعانى أيضا من حالة إحباط غير مسبوقة، بعد أن كان الحلم وشيكا ويداعبنا.
أبسط حقوق هذا الشعب أن يخرج عليه لاعبو المنتخب المصرى دون جدال أو نقاش ويقدموا اعتذارا للشعب المصرى عن فضيحة تسببوا فيها، وأن يعترفوا بأنهم لم يكونوا على قدر المسؤلية، وأنهم لا يملكون إلا أن يطلبوا الصفح والغفران من الجماهير المصرية، وأن يقدم وزير الرياضة طاهر أبو زيد، وهو لاعب كرة سابق وناقد رياضى، استقالته بعد هذه الفضيحة، وأن تكون هناك مساءلة للجهاز الفنى، لا نريد مبررات من نوع أن اللاعبين معذورون لتوقف نشاط الكرة، فلماذا كنا نفوز فى كل مباريات التصفية المؤهلة لكأس العالم؟ لماذا أعطونا الأمل ثم خرجوا بكارثة؟