رئيس التحرير
عصام كامل

آذانهم وإسلامهم .. من يأمن الإخوان؟


استفزنى خبر التحقيق مع الأستاذ "إبراهيم عيسى" بتهمة ازدراء الدين، وكما جاء فى الخبر أنه: (تطاول على الإسلام بشكل من السخرية من أذان المسلمين وشعائرهم الدينية) هكذا دفعة واحدة أخرجوا الرجل من إسلامه وعد ساخرًا من شعائر(هم) الدينية!

وعليه فهو يُواجه سلطة لها طابع المتاهة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى..ومن الآن على كل كاتب حر أن يعد نفسه أحد زوارها القادمين.

فهكذا يحدث حينما تصبح الكتابة "خروجًا بلا عودة" حين تحط السياسة من سوية أمة كالأمة المصرية إلى جماعة تعيش معنا وفق ذاكرة الميراث الكريه.

هكذا يحدث حينما يختلط الزمن، والثورة تغتال أبناءها الأوفياء، وتكافئ الانتهازيين ..والمتحولين وأصحاب ( الطظات)، الحرية الآن تغتال عشاقها .. والأمان أصبح مرهونًا بمدى الولاء لجماعة السلطة الحاكمة.

هذه السلطة التى صعدت على جثث شباب الثورة وانتهكت حقوق الأحياء الباقين منهم .. الثورة التى تبرأ منها المرشد على تغريداته قبل يومين من نجاحها..والآن هو وجماعته يرفلون فى نعيمها..وبتهمة ازدراء الدين يفتحون بوابات الجحيم على من يواجههم بفشلهم.

عن أى دين يتكلم هؤلاء .. هم ليسوا موكلين من الله .. هم ليسوا سدنة الدين .. كيف لمثل هؤلاء أن يستوعبوا قولًا وفكرًا وهم الذين يتناقشون فى مشروعية (حلوى المولد)؟

من الغريب أن الكل يتعامل مع الثورة وكأنها قامت لخدمة الإخوان والسلفيين والمؤيدين لهم بطبيعة الحال..ولا أعلم هل هم على علم بحقيقتهم .. فقد تم اعتقالهم ليس بسبب مواقفهم المشرفة فى مواجهة الساسة أو الرؤساء على خلفية قضايا وطنية .. ولا بسبب دفاعهم عن الفقراء والمعدومين .. هم عانوا فى سبيل خدمة قضيتهم ولا شىء غيرها .. وعليه فكلمة ( طظ) الشهيرة جاءت فى موضعها ..ومازال هدفهم الرئيس والوحيد هو التمكين .. تمكين الجماعة من مفاصل الدولة تمهيدًا لحكم الخلافة الإسلامية.

ولهذا فحربهم مع من يعريهم هى معركة حياة أو موت .. وحينما يحفر إبراهيم عيسى بمطرقة الحقيقة فى الطبقات المتكلسة من تاريخهم ..فلابد من كسر يده قبل مطرقته ..حتى ولو كانت نفس اليد التى دافعت عنهم وأنصفتهم فى عهد لم يجرؤ فيه سيدهم على التفوه بكلمة ضد النظام .. بل الفيديوهات شاهدة على تملقهم لمبارك وعائلته.

الآن ندرك أبعاد المأساة التى يعيشها أى كاتب يحترم عقله وفكره.. بداية من الدفاع عن نفسه أمام المحاكم ..مرورًا بمعاناة تضييق النظام الحاكم عليه وتهديد حياته ..ووصولاً بالذود عن نفسه لدفع تهمة الكفر أمام العامة.

وماأدراك ما العامة ؟

هل كان فيما قاله اختلاف مع السلطة أم خروج على الدين ؟

هل كلمة الحق خروج على الدين؟

كان ذلك رأيًا غريبًا ثقيلاً على آذانهم ونفوسهم, فهم يرون فى إعمال العقل خروجًا على الشريعة .. وازدراءً بالإسلام .. هم يختبئون وراء الدين يستمدون منه عصمة أسبغوها على ذواتهم, حتى يحكموا الحلقة حول من يواجههم .. وهذا لأنهم يرون فى الفكر المستنير ضوءًا يفضح سوءاتهم.

بماذا يتهمون الرجل؟ هو لم يتقول على الرسول كما تجرأوا وفعلوا وشبهوه بالعياط ..فقد نادى دائمًا بضرورة التمحيص والتدقيق فى الأحاديث النبوية .. هو لا يمنح البعض قداسة ليست فيهم, ولا يخشى من (تجريح وتعديل الرجال) ..ولا يرتعب من رفض النص الذى يخالف عقله .. ولكن المشكلة المفصلية تكمن فى أنه كشفهم فى كل مقالاته وبرامجه.. وعرى قدرتهم الفائقة على التلون والخداع واللعب بمقدرات الشعب لصالح جماعتهم.

هم يعيشون حالة من الفصام والازدواجية ..يتوحشون فى سرقة وطن واغتيال زهرة شبابه ثم يذهبون للحج والعمرة .. يتشدقون بالذود عن الدين وهم أول من أساء إليه .. يشرعون فى إرساء النهى عن المنكر ولا يرون منكرات نهب مصر وخرابها ولا يحركون لسانًا ولا دق لهم قلب لتغييرها ..أهذا هو الأمر بالمعروف؟

يرعبون العامة بغضب الله عليهم إن خالفوهم.. أوليس غضبًا من الله أن ولاهم على شعب ليمعنوا فى فقره وإبادة حلم شبابه؟

أما عن إبراهيم عيسى وكل كاتب ارتدى خرقة المناضل فى أتون معركته مع الكذب والتدليس وتماهى مع قضيته حتى حمل لقب (كافر) بجدارة ..فلا ضير .. فتاريخنا حافل بهكذا قضايا ويجدر بنا أن نستدعى الأسماء العظيمة حتى ندلل على ما نقول ولكن كى لا نتساوى معهم فى غلوهم لن نتحدث عن أبى ذر الغفارى أو ابن حنبل ..أو الحلاج الذى شطح وقال ما قال فى الدين ولم تقتله إلا السياسة ولكن بحجة ازدراء الدين.

فقد حلّ على المحاكم سابقًا عميد الأدب العربى وبرأت ساحته من التهمة الشهيرة، ولكن حدث هذا لأسباب ..

أهمها: أن المناخ الديمقراطى وقتها كان سائدًا ومحميًا بالدستور ..دستور 23 وليس دستور أم أيمن .. والقضاء كان منفصلاً تمامًا عن الراهن الدينى بأحزابه ومؤسساته.

وأخطرها: رئيس النيابة الذى تولى التحقيق مع الدكتور طه حسين بما حمله من ثقافة مكنته من هضم واستيعاب المصادر التى رجع إليها وعليه تمكن من محاورته وتفنيد وغربلة الآراء وكانت البراءة ..أين منا اليوم برئيس نيابة كمحمد نور آنذاك .. اليوم الكل ينافق، الكل يخاف.

 

الآن نعرف لماذا حلّ الإخوان ضيوفًا على برامج أصحاب الأقلام بأنواعها من الحبر إلى الرصاص .. ولماذا تبرأ (المطبعجية) من عصر مبارك جملة وتفصيلاً .. لماذا يغازلهم أصحاب التواريخ العريقة على شاشات التلفاز بلا ذرة حياء،  فقد تعلموا من رأس الذئب الطائر .. ويحلمون بمقاعدهم على مائدة السلطة ولكن من يأمن الإخوان.

 

 

الجريدة الرسمية