الهجرة من الواقع الموجود إلى الدولة المأمولة
أقتبس عنوان هذا المقال من عبارة بالغة الأهمية وردت فى الحوار الهام الذى أجراه الأستاذ "ياسر رزق" رئيس تحرير "المصرى اليوم" مع الفريق أول "عبد الفتاح السيسى" النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الدفاع.
وقد وردت هذه العبارة فى سياق توصيفه الدقيق للأسباب الكامنة وراء نزول الملايين استجابة لحملة "تمرد".. وقد قال "السيسى" بنص عباراته "الشعب المصرى خرج لأنه خاف على وسطيته، خاف على مستقبله، لم يشعر أن البلد بلده".
وفى تقديرنا أن هذه العبارة الوجيزة تلخص بدقة اتجاهات الغالبية من الشعب المصرى إزاء حكم الإخوان المسلمين.
ويرد "السيسى" ذلك إلى أن الجماهير الغفيرة خافت على وسطيتها، لأن حكم الإخوان المسلمين كان نظرياً وعملياً عبارة عن انحراف خطير عن الوسطية التى يتميز بها الشعب وفرض اتجاهات متطرفة عليه.. وهذه الاتجاهات متعددة الأبعاد فى الواقع.
هناك أولاً الاتجاه الدينى المتطرف الذى لا يعترف بالآخر، وذلك فى ضوء عقيدة جماعة الإخوان المسلمين أنهم وحدهم الذين يعبرون عن الإسلام، وأخطر من ذلك توصيفهم لمن يخالفونهم فى الرأى بأنهم كفرة وخارجون عن الملة!
وهناك ثانياً عدم الاعتداد بالوطنية وإهدار تقديس حدود الوطن لصالح أممية إسلامية مزعومة، تتمثل فى المشروع الوهمى لإحياء الخلافة الإسلامية حيث تذوب الحدود بين الأوطان، ويمكن التنازل عن أجزاء من الوطن لصالح جماعات إسلامية متطرفة مثل "حماس" التى خططت الجماعة لكى تعطيها أجزاء من سيناء لتصبح – وفق المخطط الصهيونى- الوطن البديل للفلسطينيين، وقد يتم التساهل فى التنازل عن أجزاء من الوطن لدولة أخرى، كما حدث حين أعلن الرئيس المعزول "محمد مرسى" أنه يمكن أن تتنازل مصر عن "حلايب وشلاتين" للسودان.. هكذا بكل بساطة!
وفى تقديرنا أن تلاعب جماعة الإخوان المسلمين بأساسيات الأمن القومى المصرى كان أساس الصراع بين قيادة القوات المسلحة والرئيس المعزول، لأنها أحست بأن الوطن- فى ظل حكم الجماعة- فى خطر شديد.
ومن هنا خافت الجماهير – كما يقرر السيسى- على مستقبلها فى ظل حكم الإخوان المسلمين فى ظل تهديد الهوية الوطنية للبلد.
ويقول "السيسى" فى عبارته الهامة: "إن الجماهير قامت بالهجرة من الواقع الموجود إلى الدولة المأمولة"، بعبارة أخرى استطاعت جماعة الإخوان المسلمين فى ظل فترة حكمها الوجيزة التى لم تتجاوز العام أن تثبت بجدارة أنها فشلت فشلاً ذريعاً فى حكم وإدارة البلاد".. وأهم من ذلك أن مشروعها فى "أخونة الدولة وأسلمة المجتمع" والذى ترتب عليه زرع كوادرها فى كل مفاصل الدولة الرئيسية أخذ بشكل واقعاً بائساً لأنه يتضمن التغيير الجذرى لطبيعة الدولة المصرية المدنية والتى تشكلت منذ عهد "محمد على"، وأخطر من ذلك تغيير طابع المجتمع ودفعه إلى مسارات بالغة الخطورة.. حيث تحل القيم الدينية المتشددة والمعايير الأخلاقية المتعصبة محل قيم التسامح التى ميزت الشعب المصرى طوال العصور، والقدرة على التعامل مع الآخر المختلف بغير عقد وبدون حدود ولا قيود.
وفى فقرة أخرى هامة وردت فى الحوار نجد "السيسى" يشخص السلوك المنحرف لجماعة الإخوان المسلمين وخصوصاً فيما يتعلق باتجاهات أعضاء الجماعة إزاء باقى أفراد الشعب الذين لم ينضووا تحت لوائها وفى عبارة تقول "أنا أقول للتيار الإسلامى حاسب وأنت تتعامل مع المصريين لقد تعاملت معهم على أنك الحق وهم الباطل، أنك الناجى وهم الهالكون، أنت المؤمن وهم الكافرون.. هذا استعلاء بالإيمان".
وربما كانت هذه العبارة "الاستعلاء بالإيمان" التى وردت فى الحديث تلخص اتجاهات الغرور القاتل الذى يسود تصورات أعضاء جماعة الإخوان المسلمين عن أنفسهم.. فهم يتصرفون وكأنهم المسلمون الحقيقيون فى حين أن غيرهم ينبغى دعوتهم للإسلام كما يفهمونه هم، فإذا لم يقتنعوا أو رفضوا أن ينقادوا لهم فليس أيسر لديهم من نعتهم بأنهم كفرة!
وليس فى هذا التوصيف أى مبالغة، لأننا لو حللنا شعاراتهم الزاعقة وهتافاتهم الصاخبة بعد فض اعتصامي "رابعة والنهضة" والتى رفعوها فى مظاهراتهم التخريبية، نجدها زاخرة بأوصاف الكفر لخصومهم السياسيين من الليبراليين والعلمانيين حسب توصيفهم لهم.
نحن فى الحقيقة إزاء جماعة إيديولوجية متعصبة اتخذت طوال تاريخها من العنف عقيدة ومن الإرهاب أسلوباً ومن الانقلاب على الدولة المدنية مذهباً.. جماعة لا تتورع عن تصدير النساء والأطفال فى المظاهرات التى تقوم بها والتى تزعم أنها سلمية، مع أنها مظاهرات تخريبية مسلحة لا سبيل لمواجهتها إلا باستخدام القوة فى حدود القانون.
انتهى عهد التراخى فى التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، وآن أوان الحفاظ على هيبة الدولة وأمن المجتمع.