رئيس التحرير
عصام كامل

هل هى ثورة أفضت إلى الفوضى؟


قد يكون عنوان ذلك المقال مقتبس من صيغة قانونية تعودنا عليها فى تقنين "الفعل"، أو الجرم وما يترتب عليه من آثار، وإن كنا هنا نكتفى فى المعنى بالفعل مع تحفظنا عليه، ولكن قراءة الواقع تدفعنا إلى ذلك الاقتباس فى تقارير النيابة عادة ما ينتهى المحقق فى وصف الفعل بأنه ضرب أفضى إلى الموت أى أنه أدى إلى وفاة الإنسان وأنه يمكن فى حالات أخرى ألا يكون كذلك أى أن يكون نتيجة ذلك هو الإصابة بجرح ما أو يتطور ذلك الجرح بحيث يصبح عاهة مستديمة، لذلك قد لا يكون الاقتباس فى محله حتى الآن ولكنه بعد قليل يمكن إذا ما استمرت الأوضاع على ما هى عليه أن تصبح هذه "الثورة" بمثابة السبب الذى يؤدى إلى موت مصر ونقصد بذلك وهو هذه الحالة توصيف موضوعى موت مصر سياسياً بمعنى الوصول إلى تلك الحالة من الفوضوية وعدم الاستقرار والتخبط فى القرارات على كل المستويات والمؤسسات وأن تظل مصر تدور فى تلك الدوامة السياسية التى هى أشبه بلعبة الكراسى الموسيقية والصراع على السلطة الذى فى خضمه يتجاهل أهم عنصر أو عامل الذى من المفترض أن الصراع يقوم عليه ومن أجله ألا وهو مصلحة الوطن أو حتى كما يعرف فى علم السياسة مفهوم المصلحة القومية National interest والذى قد يتسع ليشمل العديد من جوانب الحياة وليس فقط الجانب السياسى، وإن كان هو المجال الأبرز والأوضح ومن ثم تدخل مصر فى حالة موت سياسى قد يهدد بالقضاء على كيانها ويؤدى إلى ذوبان "مصر كدولة" فى وسط المجتمع الدولى، التى كان لها دورها السياسى ووضعيتها ومكانتها التاريخية وسمعتها ما بين الدول التى من خلالها تتحدد مكانتها ولا يقف الأمر عند ذلك الحد بل ذوبان وضياع هوية مصر السياسية وذلك هو ما يحدث ويجرى الآن حتى وإن كان بغير قصد لأننا أنهكنا فى ممارسة اللعبة السياسية، وأقصد تحملت القوى والتيارات السياسية التى تحاول أن تحكم لمجرد الحكم أو حتى لتنفيذ أجندات وأفكار أخرى قد يعتقدون أنها لصالحها ولكنها بالتأكيد ليست كذلك، وعلى حسب ذلك القول المأثور هو أن هناك طرقا قد تبدو للإنسان مستقيمة ولكن عاقبتها "الهلاك" ذلك هو ما يبدو لبعض القوى السياسية وقد يكون ذلك عن قناعة، ولكن واقع الأمر أن ما يحدث هو فوضى بكل المقاييس وهى ليست تلك الفوضى الخلاقة وذلك المفهوم الأمريكى الذى أخذت تروج له الولايات المتحدة على لسان كوندليزا رايس والذى مهد لثورات الربيع العربى والذى حاولت من خلاله أن تروج للفوضى التى تحدث فى بعض الدول العربية بعد غزو العراق وما حدث فيه ومازال وكيف أنها فوضت على حد رأيها ولكنها سوف تؤدى إلى خلق شىء جديد ليس فقط شيئا ولكنه إيجابى وكانت تقصد به تحول النظم السياسية العربية إلى الديمقراطية الغربية ذلك الزعم وتلك العباءة المملؤة بالخرق التى تدثروا بها، ورأينا كيف أن العراق قد أصبحت حلبة لتصارع الضوارى وأنها قد قضى عليها تماماً رأينا ما حدث فى ليبيا وكذلك تونس ونخشى ما نخشاه أن تؤدى الأوضاع الحالية التى تمر بها مصر فى أعقاب الثورة وهى تلك الفوضوية وحالة الفوضى التى عمت كل نواحى الحياة والاختلاف الذى يصل إلى حد الخلاف الذى تطور إلى حد التصارع وكيف أنه لا تستطيع أية جهة أو مؤسسة سياسية أن تتخذ قراراً واضحاً بل كل القرارات قد صارت فى تخبط شديد هل ذلك ما كنا نحلم به أو بتعبير أدق ما كان يحلم به أصحاب الثورة الحقيقية وهؤلاء الشباب التى صنعوها بالتأكيد لا حتى وإن لم يكن لديهم رؤية سياسية أو تنظيم عندما قاموا بهذه الثورة بل كان لديهم أداة استطاعت أن تهز العرش وأن تدخل كل بيت وكل زاوية وشارع وأن تفضح النظام وتجمع الناس على شىء واحد هو هدم ذلك النظام ولكن لم يكن لديها ماذا بعد هدم النظام؟ وقد يكون ذلك هو أحد مطالب الثورة الخلاقة والمدهشة الذى جعل الكثيرين يتربصون بها ويحاولون الركوب عليها وينسوبنها إليهم لقد كانت مطمعاً والكل أصبح هو صاحب هذه الثورة بينما توارى أصحابها الحقيقيون هى ثورة قد أفضت إلى أزمة اقتصادية أقل ما توصف به أنها طاحنة وقد يكون ذلك مقبولا فى بداية الثورة ولكنه لا يقبل بعد مرور عامين والوصول إلى تلك الحالة من الانهيار الاقتصادى التى تقود البلد إلى المجهول والتى جعلت كل الأدوات الاقتصادية والسياسات والخطط حائرة ومحل شك، لقد ألقى عدم الاستقرار السياسى بظلاله على الوضع الاقتصادى المتردى ورأينا ذلك التضارب ما بين الاقتصاديين حول الوضع فى مصر الذى يصل إلى حد الفوضى وعدم القدرة على التحديد، لذلك فهى بالفعل أى من خلال رصد الواقع، قد كانت ثورة ولكنها لم تؤد إلى تغيير الأوضاع السياسية وتحقيق النمو الاقتصادى والعدالة الاجتماعية ولكنها أفضت إلى فوضى ليست بالخلاقة بأى حال من الأحوال ولكنها فوضى مدمرة تكاد تقوض كل جوانب الحياة.

gamlgorgy @ gmail.com

















الجريدة الرسمية