رئيس التحرير
عصام كامل

الجماعات الإرهابية تعاود الظهور وتهدد أمن تونس خلال عيد الأضحى..الجيش والأمن في أقصى حالات الاستنفار تحسبا لهجوم إرهابي خطير..العريض: مستعدون للاستقالة بشروط أربعة..الحوار الوطني يتعطل ونجاحه محل شكوك

تونس
تونس

عكس علي العريض، رئيس الحكومة الهجوم الذي ما انفكت تواجهه بها أحزاب المعارضة وأعلن صراحة أنه لا مجال لاستقالة حكومته ما لم تنته أعمال المجلس التأسيسي مقرا بموافقته على بنود مبادرة الرباعي الراعي للحوار الوطني دون تحديد مواعيد مضبوطة ومجددًا تأكيده على أن الحكومة لن تستقيل إلا بعد أن يتم الانتهاء من صياغة الدستور وسن قانون انتخابي واستكمال تركيبة هيئة الانتخابات وتحديد موعد نهائي للانتخابات.

العريض صرح أيضا في حواره مع التليفزيون الرسمي ليلة الأحد، بأن خارطة الطريق المقترحة من قبل الرباعي الراعي للحوار، لا يمكن تطبيقها بحذافيرها خاصة فيما يتعلق بالمواعيد والآجال التي حددتها في إشارة إلى الهيئة المستقلة للانتخابات التي حال الجدل بشأنها دون المرور إلى الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني.

رئيس الحكومة أعلن بأن خارطة الطريق التي سيتم تطبيقها هي الخارطة التي سيقع التوافق بشأنها خلال الحوار الوطني بما يعني أن حكومة الترويكا غير ملتزمة بما جاء في مبادرة اتحاد الشغل التي اعتبرتها أرضية لانطلاق الحوار لا وثيقة وجب تنفيذ ما جاء فيها، وهنا نقطة الخلاف الرئيسية مع أحزاب المعارضة المتمسكة بالمبادرة التي تفرض تطبيقها حرفيا بدءا باستقالة الحكومة.

واعتبر المحللون السياسيون أن على العريض أراد أن يقول بأنه غير راض عما صرح به زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، الذي يرى شق من قاعدة حركته أنه بالغ في التنازل لفائدة أحزاب المعارضة مما جعل قيادييها يضاعفون ضغوطاتهم من أجل تنفيذ بنود المبادرة التي تستجيب بالكامل لرغباتهم وطلباتهم المرتكزة أساسا على استقالة الحكومة ولم لا على إقصاء النهضة نهائيا من الساحة السياسية.

ولعله من المفيد هنا الإشارة إلى أن رئيس الحكومة ربط استقالة الترويكا بشروط أربعة هي المصادقة على الدستور الجديد والتوافق بشأن الهيئة المستقلة للانتخابات وتحديد موعد نهائي لإجراء الانتخابات بعد وضع قانونها المنظم.

إلا أن للمعارضة رأيا آخر مخالفا تماما لما قاله العريض وهنا مكمن الداء، حيث يصر قياديو المعارضة على أن تستقيل الترويكا أولا ثم الانطلاق في الحوار، فيما ترى الحكومة ومعها أحزاب من خارج الائتلاف الحاكم، ولكنها صغيرة مقارنة بأحزاب المعارضة الأخرى، أن الحوار يجب أن يسبق الاستقالة.

ويتجلى حجم الصراع القائم بين الحكومة والمعارضة في أوضح مظاهره عند نقطة اعتبار المعارضة أن حكومة علي العريض فشلت فشلا ذريعا في إدارة شئون البلاد، مقابل يقين لدى رئيس الحكومة الذي يرى أن حكومته لم تفشل مطلقا مستدلا في ذلك بتحسن المؤشرات العامة مقارنة بالأحوال السلبية لبلدان الربيع العربي، ليبيا ومصر أنموذجا.

والحقيقة أن ما صرح به العريض، يعتبره قياديو المعارضة استفزازا لهم لأنه لا يتماشى وما سبق وأعلن عنه رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بعد جلسات مفاوضات طويلة مع اتحاد الشغل خلال الصيف الماضي، ولأن حديث رئيس الحكومة الذي جاء بلهجة حاسمة موغلة في رسم ثقة العريض في نفسه وفي حكومته.

ولعل الأخطر في كل هذا أن حوار رئيس الحكومة سوف يأخذ أياما من التعاليق والجدل العقيم وسوف يرمي بداية من اليوم الإثنين بظلاله على الحوار الوطني المتعطل أصلا وربما يزيده تعثرا مما يبطئ تحديد موعد نهائي للجلسة الافتتاحية للحوار خاصة في ظل تنامي الخلاف بين طرفي النزاع وتضاعف النزاع حول أمهات القضايا بما يشي باستحالة التوافق خلال الأيام القليلة المقبلة.

وكان القياديون بالأحزاب المشاركة للحوار والذين رفضوا الجلوس إلى الطاولة مع البقية، دخلوا في حرب كلامية وموجة من التصريحات الاستفزازية فيما بينهم مما أخل بأدبيات التحاور وعمق الاختلافات التي تعوق الانطلاقة الفعلية للحوار، خاصة وأن رئيس اتحاد الشغل ترك الجمل بما حمل وسافر إلى بروكسل في مهمة رسمية.

فلا أحد بمقدوره اليوم التكهن بمأل الحوار الوطني في غياب صورة واضحة عما يجري في ردهاته المغلقة..جدا.. على أن ما يطفو على السطح من اختلافات في وجهات النظر وما يبرز للعيان من صراعات بين القيادات الحزبية جراء حسابات انتخابية سابقة لأوانه، لا يبشر بأي خير..بل إنه ينبئ يمزيد تعطل لغة الكلام بين الأحزاب داخل السلطة وخارجها.

في نفس السياق، وفي صورة يقول عنها رموز المعارضة بأنها مسرحية تقسيم الأدوار بإمضاء النهضة، أكد الشيخ راشد الغنوشي زعيم الحركة بأنه لا يمكن إجراء الانتخابات قبل الربيع المقبل، مشددا على أن النهضة تريد التعجيل بتنظيم الانتخابات وهو الأمر الوحيد الذي يجعلها تقبل بالاستقالة.

وقال الغنوشي في حوار صحفي ليلة أمس الأول، بأن فكرة الانتكاسات التي منيت بها الحركات الإسلامية في بلدان الربيع العربي هي رجوع عن المكاسب التي حققها الإسلام السياسي في الأونة الأخيرة، مقرا بأن الإسلاميين ربما يكونون واجهوا عثرات في طريقهم لكن الاتجاه في صعود. وأضاف في نفس الإطار، بأن الفكرة الوحيدة المطروحة في عالم الأفكار في العالم العربي هي الفكرة الإسلامية وفكرة أن الإسلام والحداثة يسيران معا وأن الإسلام والديمقراطية يسيران معا أيضا.

في خضم تلاطم المصالح السياسية لقياديي الأحزاب الذين لم يعد يربطهم بالقواعد سوى الإنتماء إلى نفس التيار، وفي غياب ايلاءهم الأهمية اللازمة لمصالح الشعب، عاد الحديث مجددا وبقوة هذه المرة عن الجماعات الإرهابية التي لم تنفك قوات الجيش والشرطة عن ملاحقتهم في ظل تعتيم إعلامي كبير، وذلك بعد خروج " وفد طلائعي" عن هذه المجموعات الإرهابية، لوحظ وجودها في قرية محيطة بجبل متاخم لجبل الشعانبي بالجنوب التونسي.

فلقد عاشت محافظة القصرين ( 250 كلم جنوب العاصمة تونس) على وقع تبادل إطلاق الرصاص بين رجال الجيش ومجموعة من الإرهابيين الذين تمكنوا من الإفلات من قبضة العسكر والتخفي في أدغال الجبل الذي تحاصره قوات الجيش والأمن منذ أسابيع بغية إلقاء القبض على المسلحين المعتصمين به.

ولا تزال إلى اليوم عمليات التفتيش والملاحقة مستمرة بعد أن كان الجيش والشرطة قد الحقوا خسائر بشرية ومادية كبيرة بهذه المجموعات التي تحاول التسلل من الجبال إلى المدن وإلى الحدود مع الجزائر ومع ليبيا دون جدوى لأنها أينما اتجهت تجد الحراس في انتظارها.
ويخشى التونسيون أن تكون عملية الأمس في محافظة القصرين، مقدمة لسلسلة من الأعمال الإرهابية التي تفيد مصادر استخباراتية أن الإرهابيين بصدد التخطيط لها قصد تنفيذها يوم غد، يوم عيد الأضحى المبارك.

وكانت اخبار مؤكدة أفادت أن المصالح الاستخباراتية الجزائرية والأمريكية حذرت السلطات التونسية من إمكانية استهداف المجموعات الإرهابية المسلحة للفضاءات الكبرى والساحات العمومية وبعض المنشآت الدولية خلال أجازة العيد.

ويذكر أن البيت الأبيض كان وجه تحذيرا للرعايا الأمريكيين الموجودين بتونس بتفادي التواجد في الفضاءات الكبرى وكان نفس البيان قد أوصى الأمريكان بعدم السفر إلى تونس هذه الأيام، مما يقيم الدليل على جدية المخاطر التي تمثلها مخططات الجماعات المسلحة على الأمن والاستقرار داخل تونس.

الجريدة الرسمية