رئيس التحرير
عصام كامل

الإرهابيون أعداء أمة الإسلام


حظىَ خبر قتل الرهائن مع المسلحين من خاطفيهم، فى وحدة لإنتاج الغاز قرب عين أمناس فى الجزائر، بتغطية إغراقية من الميديا العالمية كافة، فكان صدرَ جرائد الأحد الماضى على جانبى المحيط الأطلسى، واستمر الاهتمام به فى الأيام التالية، ومع ذلك أجد أن جانباً مهماً من الخبر فات الصحافة الغربية، كما فات جانب مهم آخر صحفَنا.


أستطيع أن أتهم جورج بوش الابن بالمسئولية عن الإرهاب الأخير الذى راحت ضحيته عشرات، فهو من نتاج الحرب على الإرهاب التى أعلنتها إدارة بوش وخسرتها فى كل بلد، بعد أن قدمت السلاح لمساعدة كل حكومة ضد إرهاب القاعدة، وتجاهلت الأسباب الأخرى للثورات فى بعض البلدان.

مالى- تحديداً- استقلّت سنة 1960، وقام الطوارق الذين يسكنون شمال البلاد، أو ما يُسمى أزواد، بأول ثورة لهم سنة 1962، وعادوا إلى التمرد فى سنوات تالية، فكانت اتفاقات تمانراست فى 6/1/1991، عندما تعهدت حكومة مالى بعدم التدخل فى الشئون الداخلية للمنطقة، إلا أن الوعود لم تُنفذ، واستعملت الحكومة السلاح الأميركى الذى أرسِلَ إليها لمكافحة إرهاب القاعدة بعد 2001 فى حربها على الطوارق، الذين كان يمكن أن يقبلوا فى البداية بحكم ذاتى فى مناطقهم.

بعد سقوط معمر القذافى فى ليبيا، تدفق إسلاميون مسلحون تسليحاً جيداً من ليبيا على مناطق الطوارق، وتأسست «الحركة الوطنية لتحرير أزواد»، التى استطاعت طرد جيش مالى من الشمال وأعلنت استقلال أزواد فى 6/4/2012.

فرنسا تجاهلت هذا التاريخ، الذى تعرفه جيداً، وانتصرت لحكومة باماكو فى حربها على الانفصاليين الطوارق، وساعدتها الولايات المتحدة وبريطانيا. والرئيس فرانسوا هولاند يقول الآن: إن القوات الفرنسية لن تنسحب حتى يدحر الإرهاب. وأقول له: إن المشكلة الحالية ما كانت وُجِدَت لو أن فرنسا ساعدت مالى على حل مشاكلها الداخلية قبل زحف الجماعات الأصولية والمتطرفة وإرهابيى القاعدة على المنطقة.

لا أعتراض أبداً على أهمية دحر الإرهاب، ولكن يجب أن تؤخذ فى الاعتبار الأسباب الأخرى التى أوصلت أمثال القاعدة إلى المنطقة، فخاطفو عمال النفط قالوا إن عمليتهم كانت انتقاماً من تدخل فرنسا فى مالى.

بالنسبة إلى الإرهابيين الذين قُتلوا مع الرهائن، قرأت مرة بعد مرة أنهم قالوا لعمال النفط المسلمين إنهم لا يريدونهم، ولكن يريدون قتل العمال الأجانب المسيحيين (وأىّ يهودى لو وُجِد).

الإرهابيون يخالفون الإسلام الصحيح، بل أزعم أنهم أعداؤه وهم يدّعون الدفاع عنه، ولا أعرف أين تعلموا دينهم ومَنْ علّمَهم.

كتبت غير مرة عن العُهْدة العمرية لنصارى القدس، فالفاروق عمر طرد اليهود من المدينة ولكن مع إعطائهم فرصة حمل ممتلكاتهم معهم أو بيعها، ومع أمان لهم حتى يخرجوا من بلاد المسلمين. وأقول مرة أخرى إن نصّ العهدة العمرية أفضل من اتفاقية جنيف الثالثة لحماية أسرى الحرب («اتفاقية» الاسمُ الرسمى، إلا أنها لغةً خطأ، والصحيح اتفاق).

لا بد أن الخليفة عمر بن الخطاب توكأ على العَهد النبوى لنصارى نجران فى موقفه من نصارى القدس:
فى الأمر الأول من العهد، أعطى رسول الله نصارى نجران «كتاب أمانٍ من الله ورسوله للذين أوتوا الكتاب من النصارى، مَنْ كان منهم على دين نجران، أو على شىء من نِحَل النصرانية. كتبه لهم محمد بن عبد الله رسولُ الله إلى الناس كافة، ذمةً لهم من الله ورسوله».

وفى الأمر الثانى، قال إنه عَهِد إلى المسلمين من بعده، أن يصونوا عَهْده لنصارى نجران ويعرفوه ويؤمنوا به ويحفظوه لهم... ويقول إن مَنْ خالَف ذلك فقد خالف أمان الله ونكث عهده.

ونصوص العهد التالية لا يوجد مثلها فى المعاهدات الدولية الحالية، فهى تحمى الأرواح والممتلكات، وتشدد على حرية العبادة، وتمنع الاعتداء على الأديرة أو الرهبان، بل تطلب من المسلمين مساعدتهم.

الإرهابيون لا يعرفون عَهْد رسول الله أو عُهْدة خليفته عمر بن الخطاب، وربما لم يسمعوا بهما، لذلك فهم يقتلون مستأمَنين فى بلاد المسلمين، بحجة أن فرنسا تؤيد حكومة باماكو، وكأن عمال النفط استُفتوا ووافقوا على عمل الحكومة الفرنسية. لا أقول غير أن الإرهابيين أعداء أمة الإسلام.

نقلاً عن الحياة الندنية.
الجريدة الرسمية