رئيس التحرير
عصام كامل

الشعب لـ"أوباما": "طز في معونتك".. واشنطن تواجه مأزقًا في التعامل مع القاهرة.. تخوفات من لجوء الجيش لدول منافسة للحصول على المساعدات.. قناة السويس وكامب ديفيد يدفعان الولايات المتحدة للتراجع

جانب من حملة امنع
جانب من حملة امنع معونه - صورة أرشيفية

قد يكون لقرار الولايات المتحدة تقليص مساعداتها العسكرية والمدنية لمصر أثر عكسي إذ يدفع القاهرة لطلب المساعدات من اماكن أخرى وهو ما يقلص دور واشنطن في التأثير على الاستقرار في البلد الواقع في قلب منطقة الشرق الأوسط؛ وتواجه واشنطن مأزقا في التعامل مع مصر حليفها الرئيسي في المنطقة والتي تسيطر على قناة السويس وتربطها معاهدة سلام بإسرائيل.


وقالت الولايات المتحدة - الاربعاء - إنها ستوقف تسليم دبابات وطائرات مقاتلة وهليكوبتر وصواريخ للقاهرة .. فضلا عن مساعدة نقدية قيمتها 260 مليون دولار لدفع الحكومة المدعومة من الجيش للسير في طريق الديمقراطية.

وقالت الحكومة المصرية - ثاني أكبر متلق للمساعدات الأمريكية بعد إسرائيل - إنها لن تذعن للضغط الأمريكي؛ وبمقدور جيش البلاد ابداء تحدٍ أكبر.

وظهر الفريق اول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة باعتباره أكثر الشخصيات العامة شعبية في مصر وهو يدرك تماما ان مصريين كثيرون اصبحوا يعادون الجماعة التي استخلصوا بمرارة أن الولايات المتحدة تدعمها.

وفي الوقت نفسه يعتقد العديد من أعضاء الاخوان أن إدارة أوباما كانت وراء ما تصفه بالانقلاب العسكري.

واشنطن - التي أصبحت مصداقيتها على المحك - ليس امامها من فرصة لحمل الطرفين على المصالحة والمشاركة في عملية ديمقراطية تشمل جميع الاطياف السياسية؛ فحتى الاتحاد الأوروبي الذي ينظر إليه باعتباره أكثر حيادا بكثير لم يتمكن من احراز تقدم في هذا الاتجاه.

وما يقلق الولايات المتحدة هو امكانية لجوء الجيش المصري - وهو أكبر الجيوش العربية - لدولة منافسة للحصول على مساعدات بعد العلاقات الوثيقة التي ربطته بالولايات المتحدة على مدى عشرات السنين.

وتمد الولايات المتحدة مصر منذ فترة طويلة بمساعدات تبلغ قيمتها نحو 1.55 مليار دولار سنويا منها 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية.

وقال مسئولون عسكريون إن القادة العسكريين في البلاد تراجعت ثقتهم في الولايات المتحدة خلال الأزمة السياسية التي اندلعت بعد عزل مرسي.

وثار غضبهم في وقت مبكر عندما بدأت الولايات المتحدة في التلميح باتخاذ إجراء لإظهار استيائها لعزل مرسي .. وقال المسئولون العسكريون إن خفض المساعدات لم يفاجئهم.

وقال مصدر عسكري "لدينا قول مأثور نتداوله بيننا.. المتغطي بالأمريكان عريان."

وأضاف "الأمريكيون يغيرون مواقفهم بناء على مصالحهم ولا يتبعون مبادئ. لكننا نعلم كذلك أن ما يقولونه أو يلمحون إليه يمكنهم القيام به، وفي نهاية الأمر هم لا يريدون ان يخسروا مصر."

ويدرس الجيش المصري خياراته؛ وهو ما أكده مصدر عسكري دون الخوض في التفاصيل "الجيش لديه خطط بالتأكيد لتنويع مصادر الأسلحة تشمل الذهاب إلى روسيا."

ونقلت صحف عن مصدر عسكري قوله إن مصر ستعلن قريبا عن صفقات سلاح من أسواق جديدة غير السوق الأمريكية وبنفس جودة الأسلحة الأمريكية.

وعمقت محاولات الأمريكيين الترويج لفكرة الديمقراطية وعودة الاخوان للحياة السياسية الافتقار للثقة في الولايات المتحدة؛ فتزايد بدرجة كبيرة الحديث عن مؤامرات أمريكية لتقسيم مصر وعن الشرق الأوسط الكبير وعرضت صحف رسوما توضيحية لبعض هذه الخطط.

وقال أحد القادة العسكريين "حكم الإسلاميين للعرب سيكون كافيا لضمان أن تبقى إسرائيل أكبر قوة في المنطقة.؛ والدعم من دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية التي سعدت برحيل مرسي لبغضها للإخوان قد يعطي مصر فرصة للمناورة إذا ما قررت الاستغناء عن المساعدات الأمريكية.

فبعد عزل مرسي وعدت السعودية والكويت والإمارات مصر بقروض ومنح وشحنات وقود تبلغ قيمتها نحو 12 مليار دولار. ومكنت هذه المساعدات البلاد من إدارة الاقتصاد .. وقد توفر لمصر قدرا من المرونة السياسية.

وقال عبد الله العسكر رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشورى السعودي إن المساعدات الأمريكية لمصر لا تذكر إذا ما قورنت بالمساعدات العربية ولن تؤثر ماليا على مصر ويمكن لدول الخليج بسهولة تعويضها.

وأضاف إن الناس في الخليج لا يرون في خفض المعونات رسالة تدعو للديمقراطية.

وتشعر مصر والسعودية - أهم حليفين للولايات المتحدة في المنطقة - بخيبة أمل في السياسة الأمريكية وتريان واشنطن باعتبارها قوة عظمى لا تستطيع حسم خياراتها.

وقال مسئول حكومي "الموقف الأمريكي غير واضح وغير مفهوم ويأتي في وقت تحتاج فيه مصر للمساعدة.. بالتأكيد ستفقد الولايات المتحدة تأييد الشعب المصري .. وبالتأكيد فإن الفراغ الذي سيخلفه ذلك ستستفيد منه قوة أخرى في العالم."

ولإسرائيل كذلك تحفظات على الاسلوب الذي تنتهجه الولايات المتحدة تجاه مصر. فقد رحبت إسرائيل في أحاديث غير معلنة بعزل مرسي وحثت واشنطن من وراء الستار لتقديم الدعم الكامل للحكومة الجديدة المدعومة من الجيش في القاهرة.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بنيامين بن اليعازر لراديو إسرائيل "لن يدهشني أن يبدأ السعوديون وغيرهم غدا او بعد غد في إجراء محادثات مع الروس بشكل سري من أجل ضمان وجود مظلة حماية عندما يحين الوقت."

ووعد السيسي بخارطة طريق تأتي بانتخابات ديمقراطية نزيهة .. وهو لا يتعرض لأي ضغط حقيقي من المصريين للإسراع في هذه العملية .. والمسئولون المصريون لن يتقبلوا ان تستمر الولايات المتحدة في الضغط على الجيش.

وقال المسئول الحكومي "أي شبر تخسره الولايات المتحدة ستكسبه قوة أخرى ولن يضايقنا ذلك."
الجريدة الرسمية