التمييز الايجابي بين الوطنية والطائفية
عن التمييز نتحدث، لكن عن الشق الإيجابي في التمييز.. وعن الهدف الواضح والمرجو منه.. وهو تشجيع الفرص المتساوية ، في كل المجالات والمؤسسات الحكومية والتعليمية، تمييز إيجابي يؤكد على أن الأقليات في المجتمع سوف تكون مٌضَمنة في كل البرامج.. تمييز يساعد على تخطي محنة التمييز ذاتها والتي سادت في الماضي واتبعتها الطبقة الحاكمة.. لكل هذا فالتمييز حينما يكون إيجابيًا له مبرراته ونتائجه التي ستعود على الطرفين بالخير. وسوف تمسح معاناة الذين همشوا في الوظائف أو التعليم وغيره.
ولقد مارست مصر سابقًا "التمييز الايجابي" في عهد مبارك حينما خصصت كوتة للمرأة في مجلس الشعب .. وقد أحدثت هذه الخطوة نوعًا من الإنصاف للمرأة المصرية، حيث انتزعت من براثن مجتمع ذكوري هاضم لحقوقها، حتى تنال كامل حقوقها على كل الأصعدة ولا يعد هذا تمييزا للمرأة بل إنصافا.
نشط التمييز الإيجابي نهاية القرن الماضي في العقود الثلاثة الأخيرة من أجل زيادة أعداد النساء في أجهزة الدولة المتعددة وطبقته دول ديمقراطية مثل السويد أو الدنمارك وله مسميات متعددة أهمها آليات الإنعاش الملائم للاقليات أو آليات الدمج السياسي لمكونات الشعب..الخ
والسؤال هنا هل يحتاج الأقباط في مصر لتمييز ايجابي؟ وهل التمييز الايجابي آلية طائفية أم وطنية ؟ وأسئلة أخرى تدور في ذهن العديدين من وهناك بينهم مؤيد ومعارض .. فالمؤيد يراها من منطق حقوقي وطني والمعارض يعتبرها طائفية.
المتتبع للعمل السياسي يتأكد أنه منذ يوليو 1952 هناك إجحاف بحقوق الأقباط السياسية وازداد في تهميش الأقباط في مناحي المحروسة خاصة بعد إغراق البترودولار لجيوب بعض المصريين واكتساح فكر البداوة والتصحر مناحي مصر.
وانعكس ذلك على العمل السياسي حين حرم الأقباط من الوظائف القيادية مع ارتفاع النعرة الدينية وتم حرمانهم من العمل السياسي - ليس لتقاعسهم كما يدعى البعض- بل بسبب شيوع روح الكراهية من قبل جماعات الإسلام السياسي وضعف النظام الذي زايد على تهميش الأقباط .. بدليل أنه قبل يوليو 1952 شغل ويصا واصف منصب رئيس مجلس النواب وكان يمثل دائرة ليس بها قبطي واحد !!! وشارك الأقباط الحياة النيابية بنسبة تفوق نسبتهم العددية.. كما يمكن للمتابع لعملية تهميش الأقباط ملاحظة النقاط الآتية:
* أعداد الأقباط الكبيرة داخل مجلس النواب قبل الثورة يوليو 1952
* السماحة الكبيرة داخل المجتمع المصري باختيار رئيس مجلس النواب قبطيا
* لم تظهر فكرة التعيين قبل يوليو 1952 وانما ظهرت بعدها
* اكتساح الفكر المنغلق لمناحي مصر بعد انقلاب يوليو ففى خلال 1957 و1976و 1995 لم يفز قبطي في الانتخابات
* فوز عدد قليل من الأقباط في الانتخابات بالقائمة
* انعدام الأحزاب لترشيح الأقباط حتى حزب الأغلبية
* والبرلمان المصري عام 2005 لم يضم سوى خمسة أقباط فقط بين أعضائه البالغ عددهم 444 عضوًا، واحدًا تم انتخابه "يوسف بطرس غالي" وجرى تعيين الأربعة أعضاء بقرار جمهوري، ولم يصلوا إلى موقعهم بالانتخاب.
جميع الأدلة السابقة تؤكد أحقية الأقباط في التمييز الإيجابي فنسبة الأقباط المنتخبين لا تتعدى 2 بالمائة .. فالتمييز الإيجابي يهدف لضمان تمثيل المجتمع تمثيلا عادلا خاصة في المجتمعات المهضوم بها حقوق الآخر والمتشبع بفكر صحراوى.
وهنا يبقي السؤال هل التمييز الإيجابي فكرة طائفية أم آلية اجتماعية...؟
إذا طبق قانون التمييز الإيجابي فالمكسب الحقيقي سيعود على المجتمع بالثراء الفكري وسيحقق السلام الاجتماعي والعدل بين مكونات الوطن مثلما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية .. فسابقا كانت توجد أماكن ممنوعة على السود والآن بفضل التمييز الإيجابي للسود ساهم في إنهاء العنصرية ضدهم وشاركوا في إدارة شئون بلادهم على كافة الأصعدة وعلى أعلى المستويات بدليل كولن بأول رئيس الأركان ووزير الخارجية الامريكي وكونداليزا رايس وزيرة خارجية وتوج العمل الحقوقي بعد حصول أوباما الأسود ليتربع على ريادتها دورتين متتاليتين.
ترى متى يتحقق للأقباط هذا الحلم ؟
ونحن حينما نتكلم عن التمييز الايجابي في مصر فكما أسلفنا هو ليس بجديد على مصر..طبق في كوتة المرأة..وفي حفظ حقوق أن تعمل الأقلية المسلمة في الشركات المملوكة لمسيحيين..وليس أقل أن يعامل المسيحي بالمثل.. ففي تطبيق التمييز الإيجابي للأقباط سوف يتحقق أهم مطلب وطني وهو تمكين الأقباط من العمل في كل مجالات الدولة وأن تفتح الأبواب المغلقة في وجههم على مدى عقود مضت.. تري هل يتحقق هذا الحلم الجماعي للأقباط ؟ ام أن المصالح الفردية لبعضهم سوف تحول بينهم وبين أغلى أمانيهم؟.