رئيس التحرير
عصام كامل

مجرمون..ومغفلون !!


كتب الكاتب الصحفي الزميل هيثم ابو زيد المحترم شهادته المهمة الخطيرة للغاية علي ثمانية عشر عاما قضاها في تنظيم الاخوان..الشهادة الوثيقة الخطيرة تستدعي نقلها بالكامل لأنها يجب ان تقرأ بالكامل..ويجب ان تقرأ بالكامل وليس جزءا منها..ويجب ان تقرأ اليوم وليس الغد ..ويجب ان تلعن كل من عرف بها ولم ينشرها وأن تلعن كل من احترم الاخوان بعد ان عرف بها وعليك ان تلعن كل من لم يهتم بها بعد نشرها منذ سنوات..وعليك ان تلعن ايضا كل من عرف بها من غير الاخوان ثم تعامل معهم ..منسقا او متحالفا او مدافعا ..وسنترككم مع مقال مهم وشهادة حق لكاتب محترم ربما بنت اجيال من الجماعة موقفها عليها..وقبل فترة وفي مناظرة علي الفيس بوك شهدها عدد كبير من الاصدقاء نشرنا القصة..ونشرها قبل سنوات طويلة المستشار علي جريشة القيادي الاخواني باعتبارها حقيقة..وكذبناها وقتها وبمجرد النظر..يقول الاستاذ هيثم :


"كانت للشيخ محمد الغزالي في نفسي مكانة كبيرة، وكنت حريصا على اقتناء كتبه وقراءتها، حتى جمعتها كلها، إلا كتابا واحدا سماه الشيخ "قذائف الحق"، عرفت أنه ممنوع، وكالعادة تسبب المنع في زيادة رغبتي في الكتاب، وحرصي على قراءته، إلى أن أهداه إلي أحد الأصدقاء عام 2002، فأتيت عليه، ولفت انتباهي فيه الهجوم الشديد من الغزالي ضد البابا شنودة، الذي لم يكن قد مر على اعتلائه منصبه الكبير أكثر من عامين وقت تأليف الكتاب نهاية عام 1973.

لكن أكثر ما شدني في الكتاب، وأنا حينئذ عضو بجماعة الإخوان، تلك "الوثيقة" التي قال الشيخ إن الأجهزة الأمنية والمخابراتية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر وضعتها كخطة للقضاء على جماعة الإخوان، واستئصال وجودها، وتضمنت خطوات شديدة القسوة، تتجاوز محاربة الإخوان تنظيميا وفكريا إلى محاربة الدين الإسلامي، والمتدينين من غير الإخوان.

وكان مما ورد في مقترحات الوثيقة، محو فكرة ارتباط الإسلام بالسياسة، والإبادة المادية والمعنوية لمعتنقي هذه الفكرة، وإبراز مفاسد الخلافة العثمانية، والتحري عن كتب ونشرات الإخوان في كل مكان ومصادرتها وإعدامها، وتحريم قبول الإخوان وأقاربهم حتى الدرجة الثالثة في السلك العسكري أو البوليسي، أو السياسي، وسرعة عزل الموجودين منهم في هذه الأماكن، والعمل على إفقاد أعضاء التنظيم ثقتهم في زملائهم بإجبار بعضهم على كتابة تقارير عن الآخرين، ومواجهة كل طرف بما كتبه الآخر.

كما جاء في الوثيقة ضرورة التضييق على المتدينين في المجالات العلمية، وعدم إظهار تفوقهم، وعزلهم عن أي عمل جماهيري أو شعبي، وتشويش الفكرة الشائعة عن الإخوان في حرب فلسطين، وإبراز مسألة اتصال الهضيبي بالإنجليز، وإدخال الإخوان المنتمين للتنظيم في متاعب تبدأ بمصادرة أموالهم، واعتقالهم، مع استعمال أشد أنواع الإهانة والتعذيب، وتنتهي بإعدام كل من يبرز بينهم كداعية، أو يظهر أي صلابة داخل السجون.

وقد وقع على الوثيقة، بعد عشرة اجتماعات كل من رئيس مجلس الوزراء، وقائد المخابرات، ورئيس المباحث الجنائية والعسكرية، ومدير المباحث العامة، والسيد شمس بدران، ثم وقع عليها بالاعتماد والموافقة الرئيس جمال عبد الناصر.

وتركت هذه الخطة الإجرامية أثرها في نفسي، فهي تؤكد مدى وحشية وإرهاب النظام الناصري، وعدائه للدين وللمتدينين، لكن لم يأت منتصف عام 2005 إلا وأنا مستقيل من جماعة الإخوان، كي أنضم لحزب الوسط، باعتباره ممثلا للمشروع الحضاري الإسلامي، وللفكر الوسطي المستنير، كما كنت أعتقد وقتها.

ويبدو أن أبو العلا ماضي، وكيل مؤسسي الحزب، وزميله عصام سلطان، ظنا فيّ خيرا، فعرضا على الهيئة العليا للحزب أن أكون من بين أعضائها فوافقت الهيئة بالإجماع، ثم لم تمر أشهر حتى طلب مني أبو العلا أن أنتقل إلى القاهرة، لأكون المدير التنفيذي للحزب، ولأساهم في عملية تأسيسه وبنائه متفرغا تفرغا كاملا بأجر.

وفي ذات نهار من شهر يونيو 2008، كنت جالسا على مكتبي بمقر حزب الوسط بشارع قصر العيني، بينما أغلق أبو العلا ماضي باب مكتبه عليه وقد استقبل ضيفا لا أعرفه، وطالت الزيارة، ثم خرج الضيف، وودعه أبو العلا عند الباب، ثم عاد سريعا وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة كبيرة، وأشار إليّ بيده قائلا: تعال بسرعة.. ذهبت إليه، وأغلق الباب، ثم خاطبني قائلا: "قنبلة" .. قلت ما الخبر؟ .. قال: أتعلم من كان يزورني؟ إنه المهندس مراد جميل الزيات، من قيادات نقابة المهندسين، وأحد الإخوان المتفتحين، وله انتقادات على أداء قيادات الإخوان، وكان مسجونا في عهد عبد الناصر، وخرج ضمن من خرج في السبعينات.

لم يمهلني ماضي لأستفسر عن "القنبلة" فواصل قائلا: لقد أخبرني المهندس مراد بقصة خطيرة، فبعد الإفراج عنه في السبعينات، سافر إلى أوروبا، والتقى القيادي الإخواني يوسف ندا، وظل يحكي له ما عاناه الإخوان في السجون، ثم ذكر لندا ما نشره الشيخ الغزالي في كتاب قذائف الحق عن "الوثيقة" التي أعدتها المخابرات واعتمدها عبد الناصر للقضاء على الإخوان، فإذا بيوسف ندا يضحك حتى استلقى على ظهره، فخاطبه الزيات متعجبا: لم الضحك يا أخ يوسف؟ فأجابه ندا فورا، لأنني أنا من وضع هذه الوثيقة، لتشويه نظام الحكم الناصري.. فتساءل الزيات: لكن هذه فبركة.. فأجابه ندا بثقة: "الحرب خدعة".

أصابني الذهول، وقد كنت أعلم أن الإخوان يبالغون، وأحيانا يكذبون، لكن لم يخطر ببالي –حينها- أن يصل الأمر للاختلاق الكامل، وتأليف الأوهام والافتراءات، وقد رأيت حينها أن رواية الزيات لا تكفي للاعتماد عليها، فربما كان هناك أي ثغرة أو خطأ في النقل، بل ربما كان يوسف ندا يمزح، حتى ولو كان هذا الاحتمال ضئيلا، لذا قلت لأبو العلا إنه لا داعي لاستخدام هذه القصة، مالم يتوفر لها قدر أكبر من الثبوت، لكن ماضي رأى أن من الضروري فضح الإخوان وإظهار أكاذيبهم.

كان كل ذلك في يوم ثلاثاء أو أربعاء، ومر الخميس والجمعة كإجازة اعتدناها في مقر الوسط، ثم جاء يوم السبت، الذي نلتقي فيه أسبوعيا بمحاضرة الدكتور محمد سليم العوا، التي يلقيها في جمعية مصر للثقافة والحوار، بمكتبه القديم، وكعادة دائمة، كانت قيادات حزب الوسط تلتقي بالعوا بعد انصراف الجمهور، وتدور أحاديث، وتنقل معلومات.. وفي هذا اليوم، انصرف الجمهور، بينما وقف العوا للكلام والدردشة مع مجموعة من قيادات الحزب، حيث أراد أبو العلا ماضي أن ينقل له تلك القصة الخطيرة التي سمعها من مراد الزيات عن وثيقة ندا.

كنا خمسة من قيادات الوسط هم المهندس أبو العلا ماضي وكيل المؤسسين، والدكتور صلاح عبدالكريم، أستاذ هندسة الطيران بجامعة القاهرة، وعضو الهيئة العليا للحزب، والمهندس حسام خلف، عضو الهيئة العليا وزوج ابنة الشيخ يوسف القرضاوي، والأستاذ محمد الطناوي، مسئول الموقع الإلكتروني للحزب، وكاتب هذه السطور.. خاطب أبو العلا العوا بما سمع من مراد الزيات.. فإذا بالعّوا يقاطعه قائلا .. نعم، هذه رواية حقيقية، وأنا أعلم بها من نحو أربعين سنة !!.

ثم أردف العوا ببقية المفاجأة، فقال: إن "الوثيقة" الأصلية التي كتبها يوسف ندا، موجودة عنده في مكتبته، وأنه مكث هو والأستاذ حسن العشماوي، ليلة كاملة بمكتب الأخير بالكويت، يجهزون الرد الفقهي والشرعي بالأسانيد على يوسف ندا، والتأكيد على أن الافتراء والفبركة لا تجوز بأي حال.

تأكدت القصة إذن، ولم يعد هناك مجال لشك أو تشكيك.. طلب أبوالعلا من العوا أن يعلن هذا الكلام، فهز الرجل أكتافه قائلا: "وأنا مالي.. عاوز تعلن أعلن أنت".. عدنا إلى بيوتنا ونحن مذهولون، بينما عاد أبو العلا وكل همه أن يخبر مصر كلها بقصة الوثيقة المختلقة.. اتصل بصحفي ناصري شهير، وحكى له رواية مراد الزيات، وتعليق العوا.. وبالفعل نشر الصحفي النابه القصة في مقال، اكتفى فيه بالإشارات المغنية عن التصريح، لكن انشغال القوى السياسية بمواجهة نظام مبارك، وحالة التعاطف مع الإخوان قبل ثورة يناير، أدخلت قصة الوثيقة إلى كهوف النسيان.

بالطبع، فإن دروس هذه الكذبة التاريخية الكبرى أبين من أن تشرح، ومن المؤكد أنه لا يمكن لعاقل منصف أن يقبل أي حديث من الإخوان عن خلافهم مع عبد الناصر، ما دامت الاستباحة قد بلغت هذا الحد، فكل روايات الإخوان عن المذابح والاعتقالات لم يعد لها قيمة، حتى لو كانت وقعت بالفعل، كما أن القصة تثبت أن الإخوان ليس لديهم سقف أخلاقي في خصومتهم السياسية، ولا مرجع قيمي في خطتهم للتمكين.

ولا يمكن أن يفوتنا هنا موقف أبوالعلا ماضي، ومحمد سليم العوا، لنعرف مقدار ما يتمتع به تيار الإسلام السياسي من انتهازية، وتلون، وتحول مع متغيرات السياسة، فدراية العوا وماضي بأكاذيب الإخوان، وبكونهم تنظيما يستبيح الافتراء والاختلاق في مواجهة خصومه، لم تمنع الرجلين من تأييد ومناصرة تنظيم الإخوان، مهما بلغت أساليب الجماعة من انحطاط.

كما أن جماعة الإخوان نسيت لأبوالعلا ماضي عداوة خمس عشرة سنة، وصفه الإخوان خلالها بكل نقيصة، بما في ذلك أنه عميل لأمن الدولة، هو وعصام سلطان، فبمجرد أن لاح الصعود السياسي للإخوان، ارتمى الرجلان تحت أقدام التنظيم، وتمرغا في تراب خيرت الشاطر، ووقتها أصبحا في نظر القطيع الإخواني الذي يحيا بلا ذاكرة أبطالا شرفاء ورجالا عظماء .. إن كذبة يوسف ندا، ستظل شاهدا خالدا على وضاعة تنظيم، وخسة جماعة، داسها الشعب بأقدامه."
انتهي المقال وانتهت الشهادة ...ولا تعليق الا " حسبنا الله ونعم الوكيل "!
الجريدة الرسمية