رئيس التحرير
عصام كامل

سقوط الأسد لن يغير مشهد الدم السورى


هل فوتت أمريكا فرصة حل الأزمة السورية؟ يرى مؤيدو التدخل العسكرى أن الولايات المتحدة كان فى مقدورها قبل أشهر التدخل عسكريًّا ومنع تفاقم الأمور، وهذا قول يتسم بالخفة والتلفظ به يسير، لكنه يجافى الواقع.

ففى العام الماضى بحثت الإدارة الأمريكية والمراقبون فى واشنطن فى الاحتمالات العسكرية المتاحة فى سوريا، ومنها فرض منطقة حظر جوى، وإنشاء مناطق آمنة، وحملة قصف جوى، وتسليح المعارضة، ولم يخلص الباحثون إلى أن مثل هذه الإجراءات تساهم فى تسريع وتيرة طى الأزمة وإنهاء النزاع، وكأن تدخل أمريكا عسكريًّا ليفاقم الأمور.
وعلى النقيض من ذلك، يرى آخرون ومنهم السيناتور جون ماكين، أن كل ما حذر منه معارضو التدخل، أى عسكرة النزاع وسقوط عشرات آلاف القتلى وتسلل مقاتلى القاعدة إلى صفوف المعارضين، صار أمرًا واقعًا وزعمهم لا يجافى الصواب، لكنه يغفل أن القوات الأمريكية لا تتخبط فى مستنقع على الطراز العراقى، ولا تواصل الانزلاق إلى هاوية التدخل الشامل على وقع فشل عسكرى تلو الآخر، وهذا من حسن حظ الأمريكيين وتعاسة حال السوريين.
النقاش حول تسليح المعارضة خفت وطواه سياق الحوادث، وعارضت الولايات المتحدة تسليح المعارضة لتفادى خسارة واشنطن الخيار الدبلوماسى والمساهمة فى تعزيز قوة أمراء الحرب المحليين، وفى تأجيج نيران الحرب الأهلية الدموية. لكن دولًا عربية لم تقتدِ بما فعلته واشنطن، ولم تمتنع عن تسليح المعارضة وتمويلها، والنتيجة أن المجموعات المسلحة أصبحت مليئة بالعتاد الحربى والنتائج السلبية صارت بارزة.
خلاصة القول: إن الحل الدبلوماسى للأزمة كان ممكنًا قبل سنة وبات اليوم فى طى النسيان، ولا أرى أن ثمة فائدة ترتجى من مواصلة المساعى الدبلوماسية والسلاح يتدفق على قوات المعارضة.  
لا شك فى أن الحاجة ماسة لمساعدة اللاجئين السوريين، لكن ذلك لن يداوى علة المشكلة بل أعراضها، وتبدو فكرة تشكيل حكومة انتقالية معقولة، وفات أوان ملاحقة الأسد وأعوانه أمام القضاء الدولى، وحرى بالولايات المتحدة حمل الدول العربية على العزوف عن تمويل مجموعات متنافسة تخدم كل منها مصالح الممولين المختلفة والمتناقضة، وحضها على تنسيق المساعى الإقليمية والدولية الرامية إلى منع مواصلة اللاعبين الخارجيين من التدخل فى سوريا لخدمة أهدافهم المتضاربة.
والإعداد لإرساء الاستقرار فى مرحلة ما بعد الأسد واجب، فانهيار نظامه بين ليلة وضحاها يخلف فراغًا سياسيًّا وأمنيّا ستتهافت المجموعات المسلحة على ملئه. والتفاؤل عسير أمام هول الأزمة السورية، وسير الحياة العادية لن يعود إلى مجاريه. فغياب عشرات الآلاف ماثل وجرح لن يندمل، والكوارث ألمت بالعائلات وشتتتها ودمرت بنية الجماعات، وإذا بقيت الأمور على هذا المنوال يتوقع أن يدوم النزاع فى سوريا فى السنوات المقبلة من دون أن يبدل سقوط الأسد فى الأمر شيئاً.
• نقلاً عن فورين بوليسى

الجريدة الرسمية