رئيس التحرير
عصام كامل

فاينانشيال تايمز: الاستقطاب الذي تعيشه مصر يعطل الانتقال للديمقراطية...بناء الدولة يتطلب نقلة سياسية واقتصادية ومصر أكبر من أن تفشل...التحول الديمقراطي قاده الشباب لا الجيش ولا الإسلاميون

صحيفة فاينانشيال
صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية

ترى صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية أن حالة الاستقطاب التي عاشتها مصر على مدى العامين ونصف العام بعد ثورة يناير 2011 عملت على تهميش القوى الشبابية التي فجرت الثورة؛ ليتأجل الوعد بأن يحمل جيل جديد من الشباب مشعل مشروع وطني جديد في حالة من الوحدة الوطنية إلى عهد آخر من الاستقرار والديمقراطية الحقيقية.

وقالت - في تعليق على موقعها الإلكتروني الثلاثاء - "بات واضحا أن المجتمع المصري وسط موجات العنف والاستقطاب المتواترة فقد - ولو مؤقتا - فرصة ثمينة لصياغة عملية تستفيد من الثروة الثقافية للدولة، وأن عملية الانتقال السياسي التي بدأت باشتعال ثورة يناير 2011 قد أخفقت في تقديم إجابة على السؤال الملح الذي حير المصريين على مدى أكثر من ستة عقود.. "عن ماهية مصر؟"

وأضافت الصحيفة "ليست هذه هي المرة الأولى التي ضاع فيها السؤال دونما جواب؛ فعندما أنشأ كل من محمد على باشا والخديو إسماعيل مؤسسات الدولة المصرية في القرن التاسع عشر، تعمدا سحق التمثيل السياسي لكافة المصريين".

ونوهت عن أنه "كان ثمة تجربة ليبرالية امتدت من حقبة العشرينيات وحتى أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، ومع أن هذه التجربة طرحت نموذجا للتمثيل السياسي لقي دعما من قبل العديد من الهيئات الاجتماعية إلا أنه كان على حساب الحقوق الاقتصادية للطبقة المتوسطة الدنيا والفقراء".

وتابعت الصحيفة " ثم جاء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على إثر تلك الحقبة طارحا فكرة القومية العربية على مدى عقدين من الزمان، ولقي هذا النموذج دعما شعبيا هو الآخر ولكن هذه المرة على حساب الحريات المدنية والسياسية".

وأشارت إلى أنه "على مدى السنوات الأربعين الماضية أقفرت مصر من أي مشروع قومي أو أية محاولة جادة في مواجهة ما ألم بنسيجها المجتمعي من تناقضات".

ولكن هذه المرة، تقول "فاينانشيال تايمز"، " ثمة عاملان يجعلان الأمر مختلفا؛ الأول ديموجرافي..فثمة خطورة في وجود ملايين الأميين والعاطلين ممن ليس لديهم ما يخشون ضياعه يعيشون أوضاعا غاية في الصعوبة تفتقر إلى مرافق الحياة الأساسية".

ولفتت في هذا السياق إلى أن عملية الانتقال هذه المرة لم يحمل مشعلها لا الجيش ولا الإسلاميون وإنما شباب مدنيون يمثلون 45 مليون من الشباب تحت 35 سنة، وهو ما كان مبشرا بالكثير.

أما العامل الثاني؛ فهو اقتصادي، ذلك أن مصر تواجه تحديات صعبة على أصعدة البنية المالية والتنافسية والنظام التعليمي. 
ورأت الصحيفة أن ثورة يناير 2011، وما أحدثته من زخم عمل على تقوية إحساس المواطن المصري العادي بأن له حصة في اقتصاد دولته، كانت فرصة ممتازة لتبني الإصلاحات الاقتصادية اللازمة لمجابهة تلك التحديات الضخمة والملحة على نحو كان يعتقد أن يشكل عامل ضغط على مختلف القوى السياسية لكي تتقارب، ولكن حال دون ذلك زيادة الاضطرابات التي قللت من فرص التناسق الاجتماعي.

واستدركت الصحيفة البريطانية قائلة "لا تزال ثمة أشعة للأمل قادرة على اختراق ضبابية وقتامة المشهد.. ذلك أن المجتمع المصري لا يزال يحتفظ بشخصيته الزراعية التي تنحو نحو التصالح والتقارب".

وأضافت "في دولة مثل مصر بملفيها الديموجرافي والاقتصادي، لا يمكن لأي نظام سياسي فاعل احتمال طول زمن الأزمة في ضوء أية بصيرة إستراتيجية أيا كانت".

وأكدت أن "مصر أكبر من أن تفشل؛ فسكانها يشكلون نحو ثلث العرب كافة، كما أنها تمثل الرافد الثقافي الأكبر بالمنطقة، بالإضافة إلى أنها تمثل منذ قرون القاعدة الفكرية للمذهب السني.. ومصر كذلك منبع كافة الأيديولوجيات العربية المهمة على مدى المائتي عام الماضيين، وتحتل مكانة إستراتيجية بالغة الأهمية على كافة الأصعدة بالشرق الأوسط".

واختتمت "فاينانشيال تايمز" بقولها "لكن ثمة فارق كبير بين عدم الإخفاق والنجاح؛ ذلك أن عدم الإخفاق يكون نتيجة سلسلة من التدابير المؤقتة التي قد تنجح في كسب أويقات من الهدوء واضطلاع الدولة بمؤونة نفسها، لكن دونما أية خطوة للأمام.. أما النجاح؛ فهو يحتاج إلى أساس قوامه عملية انتقال سياسي واقتصادي تأخذ "مصر" إلى عالم من الديمقراطية والاستقرار الحقيقيين.. عبر هذا فقط يمكن تحرير طاقات المجتمع الشبابية المزدهرة بالمواهب.
الجريدة الرسمية