رئيس التحرير
عصام كامل

«واشنطن» المستفيد الأول من المساعدات العسكرية لمصر.. المبالغ المخصصة للمعونة تحول مباشرة لحساب شركات السلاح الأمريكية.. تساهم في خلق فرص عمل للأمريكيين.. والتهديد بقطعها يعرض مصالح "واشنطن"

فيتو

عقب الاضطرابات السياسية في مصر أوقف الاتحاد الأوربي تصدير الأسلحة، في حين ما زالت الولايات المتحدة تقدم الدعم للجيش المصري الذي لا يستفيد وحده من ذلك بل يعود بالنفع الكبير على شركات الأسلحة الأمريكية.

كان من الواضح أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما وجد صعوبة في الإجابة عن أحد الأسئلة نهاية أغسطس الماضي الخاص باستمرار دعم الولايات المتحدة للجيش المصري. وبدا أوباما في تلك المقابلة التليفزيونية وكأنه يزن كل كلمة عند الحديث عن هذا الموضوع، لاسيما وأن حكومته بدأت من جديد في إعادة تقييم العلاقات الأمريكية المصرية على ضوء المصالح الجديدة للطرفين في المرحلة الراهنة

وتحصل مصر سنويا على 5ر1 مليار دولار من الخزانة الأمريكية منها 3ر1 مليار للجيش المصري، وصارت هذه المسألة شائكة بعد إعلان الجيش في يوليو الماضي عزل الرئيس محمد مرسي، ورغم الجدل الشديد حول هذا الموضوع فإن الحكومة الأمريكية ما زالت تلتزم بما تقدمه من مساعدات مالية. 

ويقول الخبراء: إن أي تغيير في هذه المساعدات من شأنه أن يضر بالامتيازات العسكرية التي تحصل عليها الولايات المتحدة في المنطقة، مما قد يعرض المصالح الأمنية الأمريكية للخطر.

بعيدا عن الزاوية السياسية يأخذ الموضوع أبعادا مهمة أخرى تتجلى في مصالح شركات السلاح الأمريكية والتي تقف خلفها مجموعات ضغط قوية على الإدارة الأمريكية.

وتنص اتفاقية المساعدات "لا يتم مطلقا إرسال الأموال الخاصة بالمساعدات الأمريكية إلى مصر، فبعد ما يصوت الكونجرس على الدفع يتم تحويل المبالغ إلى حساب في المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك والذي يقوم بدوره بتحويل تلك المبالغ إلى أحد الصناديق الائتمانية والتي تقوم بتحويلها إلى شركات السلاح والموردين. 

كما يجب أن تكون مقار الشركات والموردين في الولايات المتحدة. وغالبا ما يتم التعامل مع شركات دولية تتعامل مع شركات تابعة لها في الولايات المتحدة. الأهم في الموضوع هو أن هذه الشركات هى التي تقوم بتوظيف عمالة في الولايات المتحدة، مما يعني أن المساعدات لا يتم نقلها بشكل مباشر للقاهرة بل لخلق فرص عمل داخل الولايات المتحدة نفسها.

يعود تاريخ المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر إلى اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، ومن خلال تلك المساعدات تعتبر مصر أحد أهم أعمدة السياسة الخارجية الأمريكية في العالم العربي، إضافة إلى أهميتها بسبب قناة السويس أيضا.

خلال الثلاثين عاما الأخيرة كان هناك جدل من حين لآخر بشأن تلك المساعدات كما تقول شانا مارشال خبيرة العلوم السياسية في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن، وفي هذا السياق تقول مارشال: "عند حدوث خرق مشابه – وهو ما يحدث بعد مرور أعوام – ترسل شركات السلاح بفريق من جماعات الضغط إلى النواب في الكونجرس لإقناعهم بضرورة استمرار تقديم المساعدات العسكرية.، ولا يركزون في ذلك على المصالح الأمنية فحسب بل يشيرون إلى المشاكل المحتملة في إنتاج السلاح وفقدان فرص العمل داخل البلاد". 

مع بداية هذا العام أضيف عنصر سياسي جديد في هذا الجدل مع الإعلان عن إجراءات التقشف التي أقرتها الولايات المتحدة بهدف الحد من مستوى العجز في الميزانية، ويعتبر الجيش الأمريكي من أكثر الجهات المتضررة من هذه الإجراءات التي تشمل نهج سياسة تقشفية في قطاعات إنتاج أجهزة قتالية جديدة، وقد دعت الشركات الصناعية السياسيين في أمريكا إلى تقديم طلبيات جديدة لها حتى لا تكون مضطرة إلى تسريح عمالة مؤهلة على خلفية إجراءات التوفير.

ومن النقاط المثيرة للجدل أيضا أن الجيش المصري لا يستخدم جميع المعدات التي يشتريها من الولايات المتحدة من مخصصات المساعدات كما يقول خبير العلاقات الأمريكية المصرية في جامعة تكساس، جيسون براونلي حيث يلاحظ أن "بعض الدبابات موجودة في مصر داخل المخازن"، ويضيف خبير العلوم السياسية: "بشكل عام لا يوجد مبرر مقنع لتوريد المزيد من الأسلحة التقليدية إلى مصر.

يتفق الخبراء على أن الولايات المتحدة تستفيد سياسيا من شراكتها مع مصر بشكل يفوق بكثير قيمة المساعدات الأمريكية، بالنظر إلى الوضع المميز لمصر في المنطقة، وبالرغم من نفوذها الكبير فمن المفترض ألا تلعب شركات السلاح الأمريكية دورا حاسما في القرارات الخاصة بمستقبل تلك المساعدات، لكن ما الذي سيحدث إذا توقفت المساعدات لأسباب سياسية؟ خصوصا وأن الحكومة الأمريكية تشكل طرفا مشاركا في الاتفاقيات الموقعة بين الجيش المصري والشركات الأمريكية

ويعبر الخبير مارشال عن اعتقاده أن الشركات الأمريكية التي وقعت اتفاقيات مغرية مع مصر ستطالب في حال وقف تلك الصفقات بتعويضات من خلال إبرام اتفاقيات مشابهة مع دول أخرى مثل العراق أو أفغانستان أو باكستان أو الصومال

في سبتمبر الماضي تحدث أوباما في كلمته أمام الأمم المتحدة عن موضوع المساعدات لمصر وقال: إن العلاقات الثنائية موضع بحث وإعادة للنظر، وفي الوقت الحالي تتصدر أخبار الميزانية عناوين الصحف الأمريكية وبالتالي هناك تراجع في الاهتمام بموضوع المساعدات المقدمة لمصر وبذلك تراجع مستوى الضغط على أوباما ويعني ذلك أن المساعدات المخصصة لمصر هذا العام سيتم تحويلها بالطريقة المعتادة كما حدث منذ أكثر من 30 عاما وبشكل يرضي الجيش المصري وشركات السلاح الأمريكية حتى إشعار آخر.


هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل

الجريدة الرسمية