رئيس التحرير
عصام كامل

سقوط "الإخوان" في الأردن.. ديفيد شينكر: مصر وسوريا أطاحتا بأحلام الجماعة في عمان.. تقربهم من حماس أفقدهم دعم الأردنيين وزعماء القبائل.. وزمزم عصفت بأحلام مكتب الإرشاد

 ديفيد شينكر
ديفيد شينكر

جماعة "الإخوان" تسقط وتختفي في الأردن بعد صعودها ويأفل نجمها، هكذا ذكر ديفيد شينكر مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، مرجعًا ذلك إلى أن جماعة «الإخوان» في مصر هي الآن في أسفل القاع، إن لم تكن في طريقها إلى الاختفاء تمامًا عن المشهد، بعد قيام الجيش المصري بعزل بيروقراطي «الإخوان» ذي الرتبة العالية الرئيس مرسي في يوليو، ووجهت له المحاكم لائحة اتهامات جنائية طويلة، وقام الجيش المصري باتخاذ إجراءات صارمة واعتقل معظم قيادات «الإخوان».
وأكد شينكر في تحليله السياسي بمعهد واشنطن أنه رغم السوء الذي تبدو عليه الأوضاع بالنسبة لـ «الإخوان» في مصر، إلا أن ذلك ليس الفصل الوحيد لهذه «الجماعة» التي تواجه انتكاسات، فبعد مرور أكثر من عامين على الثورات العربية التي شهدت حصول الإسلاميين على مكاسب في تونس وليبيا وسوريا، وفي مصر على الأقل مؤقتًا، فإن الإخوان في الأردن هم في منتصف أزمة تحيق بهم.
وقال شينكر: "بعد أن كانت «الجماعة» سابقًا صوتًا قويا نحو قيام إصلاح انتخابي في المملكة، ومن أشد منتقدي الفساد في القصر، ومن أبرز معارضي التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل، تآكل مؤخرًا النفوذ والوضع المحلي لـ «الإخوان» الأردنيين، كما يجد إسلاميون آخرون صعوبة في جذب انتباه الجمهور"، مشيرًا إلى محاولة جماعات في البرلمان الأردني غير منتسبة لـ «الإخوان» تقديم مشروع قانون لـ "توفيق" التشريعات مع الشريعة، إلا أن الاقتراح فشل ولم يحصل إلا على تأييد 27 من أصل 150 من أعضاء البرلمان.
وأكد أن الميول السلطوية لـ «الجماعة» في مصر وأسلوبها "المتغطرس" وسوء إدارتها الاقتصادية ساهمت في النفور الشعبي للجماعة، وخلافًا لما حدث في مصر، فإن انتكاسات «الجماعة» في الأردن كانت نتيجة الأضرار الذاتية والديناميكية المتغيرة للسياسة الإسلامية المحلية على حد سواء.
وأضاف شينكر: إنه قبل عام مضى، كان من الصعب تصور الظروف الحالية لـ «الإخوان» الأردنيين، فقد كانت قوة «الجماعة» آخذة في الصعود مع مشاركتها في المظاهرات الناشئة مع قوى المعارضة القبلية والعلمانية ضد حكومة الملك عبد الله الثاني؛ بسبب حالات فساد مالي مزعومة وحرمان اقتصادي وخفض الإعانة الحكومية، لكن بحلول نهاية العام الماضي تفكك هذا التحالف المعارض والفضفاض، وتوقف المتظاهرون عن الخروج ربما خوفًا من أسلوب الفوضى المصرية أو حتى السورية.
وفي يناير 2013، وبعد أن فشل «الإخوان» في إجبار الملك عبد الله بإصلاح قانون انتخابي غير مرض، قاطعوا الانتخابات البرلمانية ووضعوا أعينهم في اتجاه تقويض شرعية التصويت، لكن دون مشاركة «الإخوان »، مؤكدًا أنه ظهر في المشهد حزبًا سياسيا إسلاميا آخر، ولكنه معتدل وأقل ظهورًا، يعرف باسم "حزب الوسط"، الذي فاز بـ 16 من أصل 150 مقعدًا، الأمر الذي أمّن له الحصول على أكبر كتلة في البرلمان، وخسرت «الجماعة» زعمها بأنها حامي حمى القيادة الإسلامية في المملكة.
وقال شينكر: إنه مع مواجهتهم تلك الصفعة ظل وضع «الإخوان» جيدًا نوعًا ما بفضل الاضطرابات في سوريا المجاورة، وبدا لبعض الوقت كما لو أن جماعة «الإخوان» السورية على وشك تحقيق نهضة سياسية، وأن نظام بشار الأسد على وشك الانهيار.
وفي ثمانينات القرن الماضي، رد نظام حافظ الأسد على التمرد الذي قادته «الجماعة» بقتله عشرات الآلاف من «الإخوان» السوريين، وجعله العضوية في المنظمة السنية جريمة عقوبتها الإعدام. ولطالما تعهد «الإخوان» بالانتقام وكان للارتفاع المحتمل لمكانتهم في سوريا حدوث انعكاسات سلبية عميقة على النظام الملكي في الأردن المدعوم من الغرب، وذلك شجع «الجماعة» في الأردن وأفضى إلى تدخل عابر للحدود.
وعقب انتخاب مرسي بفترة وجيزة تدخل «الإخوان» في الحياة السياسية الأردنية من القاهرة والدوحة - حسبما قال شينكر- ففي يناير 2012 أرغمت «الجماعة» العضو البارز في الفرع الأردني عبد المجيد ذنيبات على الاستقالة من مقعده في مجلس الأعيان الأردني، والذي تم تعيينه فيه من قبل الملك، ولكن احتمال هيمنة «الإخوان» في الأردن لم تدم كثيرًا. فظهور مقاتلين منتسبين لـ «القاعدة» في الحرب الأهلية في سوريا أضعف الحماس الشعبي لـ«الإخوان» في الأردن.
وأكد شينكر ضعف ميل الشعب الأردني تجاه «الجماعة»؛ بسبب المخاوف من التطرف المتنامي، فقد تحررت شريحة من السكان الإسلاميين من وهم «الإخوان»؛ لأن هؤلاء غير متطرفين بما فيه الكفاية. ومع اشتعال الحرب في سوريا شهدت الأردن انتشارًا للمنافسين الإسلاميين وأبرزهم السلفيين، أتباع حركة الصحوة السنية الصارمة. 
لقد كان للسلفيين تواجد منذ فترة طويلة في المملكة، وانتشرت شعبيتهم الداخلية مع كسب الحركة زخمًا في المنطقة، فزعيم تنظيم «القاعدة في العراق» أبو مصعب الزرقاوي من البلدة الأردنية الشمالية الزرقاء، مثال أكثر شهرة على ذلك، واعتبارًا من أبريل أشارت تقارير في الصحافة المحلية إلى أن نحو 500 سلفي أردني كانوا يقاتلون في سوريا جنبًا إلى جنب مع الجماعة الجهادية "جبهة النصرة". كما أن التغطية الإعلامية شبه اليومية للسلفيين الأردنيين العائدين إلى الوطن من سوريا في حقائب الموتى - والذين تم تجنيدهم للجهاد السوري - تؤكد هذه الأرقام.
وأشار شينكر إلى أن التحولات داخل جماعة «الإخوان» تجاه «حماس» ساهمت في ارتفاع مكانة السلفيين، ومؤخرًا مع تغير سياسة قيادة جماعة «الإخوان» الأردنية وحزبها السياسي "جبهة العمل الإسلامي" تجاه حركة «حماس» وتقربها منها، بدأ بعض سكان الضفة الشرقية ينظرون إلى «الجماعة» على أنها ذات طابع فلسطيني أكبر، وبالنسبة للعديد من الإسلاميين في الضفة الشرقية، الذين لا يزالون رجال قبائلهم الأقل تدينًا، متشككين من الفلسطينيين في المملكة، فإن هذا التغير في الاتجاه جعل «الإخوان» أقل جاذبية، وإلى جانب القتال في سوريا والاتجاه الإقليمي نحو السلفية، يبدو أن ذلك عزز أيضًا من جاذبية الجماعات السلفية الأردنية على حساب «الإخوان».
وقال شينكر: "الانقسامات الاجتماعية طويلة الأمد داخل الأردن خلقت انشقاقات جديدة بين سكان الضفة الشرقية، وأولئك بين سكان البلاد الإسلاميين من أصل فلسطيني، ومنذ عام 2010 على الأقل وقعت اشتباكات بين العناصر الأكثر اعتدالًا الموالية للنظام داخل «الإخوان»، وفي المقام الأول سكان الضفة الشرقية، وبين نظرائهم الأكثر تشددًا الذين هم من أصل فلسطيني إلى حد كبير، بشأن تعيينات الأفراد وقضايا موضوعية أخرى، مثل الأولوية النسبية لحركة الجهاد في فلسطين والادعاءات الواسعة النطاق حول شراء الأصوات خلال الانتخابات الداخلية التي جرت في صفوف «الإخوان»، ومؤخرًا في عام 2012 انقسمت الجماعة حول قرار مقاطعة الانتخابات النيابية والبلدية في 2013. وأحد هؤلاء "الحمائم" من سكان الضفة الشرقية نبيل الكوفحي - نجل أحد زعماء «الإخوان» منذ فترة طويلة أحمد الكوفحي - تجاهل في البداية المقاطعة المفروضة على الانتخابات البلدية، وأعلن أنه سوف يترشح في الانتخابات في مدينة إربد في شمال البلاد. وقبل أيام فقط من موعد الاقتراع سحب الكوفحي ترشحه.
وأفادت التقارير أن ذلك كان هدفه تجنب الطرد من «الجماعة»، وعلى أي حال كانت المقاطعة غير فعالة وحاذت بقليل من الانتباه، وفاز المرشحون القبليون ورجال الأعمال المقربين من الحكومة بمعظم المقاعد.
لكن الانقسامات الداخلية في جماعة «الإخوان» الأردنية تمتد إلى ما وراء "سكان الضفة الشرقية" مقابل "الفلسطينيين". ففي نوفمبر 2012 أسس مسئول كبير سابق في "جبهة العمل الإسلامي" رحيل غرابية «مبادرة زمزم»، وهي مؤسسة تهدف - من بين إصلاحات سياسية واقتصادية أخرى - إلى إنهاء "احتكار «الجماعة» للخطاب الإسلامي"، وتؤكد على منهج الإسلام الأكثر شمولًا الذي لا "يبعد الرأي العام". 
ورغم أنه يستحيل إدراك دوافعه، إلا أن غرابية محاور رصين، ويبدو مخلصًا في جهوده لتحسين صورة الإسلاميين في المملكة من خلال اتباع نهج أكثر تسامحًا وتعددية.
ووفقًا لتقارير في الصحافة العربية تضم "المبادرة" حاليا 700 عضو، من بينهم 100 من أبرز أعضاء «الإخوان» الحاليين والسابقين، ومقارنة بـ «الجماعة»، فإن "زمزم" جماعة صغيرة، لكن هذه المؤسسة الناشئة جذبت الانتباه، ففي ديسمبر 2012 وبعد أسابيع قليلة من الإعلان عن تأسيس "زمزم"، أصدر مكتب الإرشاد التابع لـ «الإخوان» بيانًا داخليا حظر على أعضاء «الجماعة» التعامل مع هذه "المبادرة".
وفي ظل الضغط المتزايد في الداخل، لجأت جماعة «الإخوان» الأردنية إلى بعض ألاعيب اللحظة الأخيرة اليائسة، فقد حاولت «الجماعة» استغلال الغضب الشعبي من الأحداث في مصر لكسب التأييد، فموقعها الإليكتروني يفيض بمقالات حول الإطاحة بمرسي وبيانات تدين الملك عبد الله لكونه أول زعيم عربي يزور القاهرة عقب ما أسموه "الانقلاب" وعزل مرسي.
وبالإضافة إلى تراجع الدعم الشعبي تخشى «الجماعة» أيضًا من قمع وشيك من جانب القصر، فالسابقة التي تمخضت عن عزل مرسي والتهديد الأمني المشدد الذي تشكله الحرب في سوريا، ووضع المنظمة المتراجع حاليا كلها أمور تسهم في الشعور بالضعف، كما لو أن «الجماعة» تؤكد هذه الضغوط، وأصدر نائب المرشد العام لـ «الإخوان» زكي بني رشيد في الشهر الماضي بيانًا دفاعيًا غير واضح المعالم يزعم بأن جماعة «الإخوان» الأردنية ليست في حالة "طوارئ وليست على الهامش". بيد أنه حتى مع انتقاد الجماعة للملك، فإن زعماءها يدعون حاليا إلى الحوار مع الحكومة - وهذا دليل آخر على الشقاق الداخلي.
وتجاوزت الأحداث المتلاحقة في الأردن أعضاء جماعة «الإخوان» هناك وفي مختلف أنحاء العالم العربي، وبالنظر إلى التهديدات الخارجية العديدة التي تواجه الأردن، وفي ضوء تراجع الحظوظ السياسية لـ «الإخوان» في الداخل، فقد أصبح هؤلاء أقل ما يقلق الملك عبد الله.
الجريدة الرسمية