رئيس التحرير
عصام كامل

تونس بعد انطلاق جلسات الحوار الوطني: عودة خطر الإرهاب تغير وجهة اهتمام الرأي العام.. خلافات القوى السياسية تعمق جراح الوحدة.. سياسيو الخضراء أمام حلم التوافق وخطر الانشقاق

احدي اجتماعات الحوار
احدي اجتماعات الحوار الوطني - صورة ارشيفية

ينتظر أن تشهد الجلسات المقبلة للحوار الوطني توترا ربما يصل إلى حد وأده في المهد، بعد أن أصدر مجلس شورى حركة النهضة بيانه الختامي ليلة الإثنين، بما لا يتماشى وإمضاء زعيم الحركة على مضامين خارطة طريق اتحاد الشغل.


وفوجئ المحللون السياسيون بما جاء في "خارطة الطريق" الجديدة لمجلس شورى الحركة، الذي يمكن أن يعود بالأمور إلى المربع الأول، بعد رفضه الضمني لكل ما جاء في وثيقة الرباعي الراعي للحوار وقبوله العلني بكل ما تضمنته، وهي مناورة جديدة للحزب الحاكم بما من شأنه خلط الأوراق المبعثرة من الأساس.

ففي الوقت الذي يلتقي فيه الفرقاء السياسيون في اجتماعهم التنظيمي الأول لوضع اللمسات الإجرائية الأخيرة للحوار الوطني، جدد مجلس شورى حركة النهضة المجتمع طيلة اليومين الماضيين، تأكيده على قبول الحركة مبادرة الرباعي كمنطلق للحوار، مشيرا إلى أن مصلحة البلاد تقتضى مواصلة الحكومة الحاليّة أعمالها حتّى انتهاء المجلس الوطني التّأسيسي من مهامّه.

وبعد أن نوه بانطلاق الحوار الوطني، أكد بيان مجلس الشورى الذي شد إليه اهتمام الرأي العام بعد أن استدارت أنظاره عن الحوار الوطني، التزام الحركة بتوافقاتها مع شركائها السياسيين في الترويكا وفي الائتلاف الوطني لتأمين المسار الانتقالي، والأحزاب والقوى السياسية المناضلة من أجل استكمال مسار الانتقال الديمقراطي والوفاء لتطلعات الشعب التونسي وأهداف ثورته المجيدة.

وأعلن مجلس الشورى، وهو أعلى سلطة بحركة النهضة، إصراره على مبدأ الحفاظ على المجلس التأسيسي بكامل صلاحياته إلى حين انتخاب مجلس تشريعي جديد، ويذكر هنا أن النهضة تظل صاحبة الأغلبية فيه حتى بدون احتساب كتلتي حزب التكتل والمؤتمر حليفيها في الترويكا الحاكمة، كما تمسك مجلس الشورى بالقانون المنظم للسلطات العمومية أو ما يسمى بالدستور الصغير باعتباره الإطار المنظم للحياة السياسية في البلاد، وهو ما يتعارض مع ما تطرحه المعارضة وتصر عليه من ضرورة تنقيح هذا القانون بما يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات أوسع، تجعله في منصب قرار بالتساوي مع رئاسة الحكومة.

كما دعا بيان مجلس الشورى كافة الأطراف إلى الالتزام بهدنة اجتماعية توفيرا لأجواء الاستقرار لضمان نجاح الحوار، وشدد على وجوب إشراك كافة الأحزاب السياسية في الحوار الوطني بغض النظر عن توقيعها على وثيقة الرباعية.

ومما أثار حفيظة بعض أحزاب المعارضة؛ أنه بالرغم من إمضاء رئيس الحركة الشيخ راشد الغنوشي على وثيقة خارطة الطريق إلى جانب بقية الأحزاب ما عدا حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، إلحاح مجلس الشورى على التذكير بموقف الحركة الذي عبّر عنه رئيسها في أكثر من مناسبة وأعلنه الناطق الرسمي باسم الائتلاف الحاكم خلال الجلسة الافتتاحية للحوار والمتمثل في القبول بمبادرة الأطراف الراعية منطلقا للحوار.

فالنهضة ظلت على مدى أسبوعين كاملين من تاريخ قبولها المشروط بمبادرة اتحاد الشغل، ثم ترحيبها اللا مشروط بخارطة الطريقة المنبثقة عنها، تكرر وتؤكد على أنها تعتبرها قاعدة للحوار الوطني حول المرحلة الانتقالية المتبقية التي تستوجب تغييرات هيكلية على النسيج الحكومي.

وهنا موطن الاختلاف الثاني بين حكومة الترويكا وأحزاب المعارضة التي تطالب بالأساس باستقالة حكومة على العريض للإنطلاق الفعلي في الحوار الوطني والتوافق بشأن الحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها قريبا لتخلف الترويكا الحاكمة.

فقد عاين المحللون السياسيون ما شاب الجلسة الأولى للحوار الوطني من تشنج وتوتر وتلاسنات تدل على عمق الخلافات بين الحاضرين، من ذلك الساعات الثلاث التي استغرقتها نقاشات إضافية قبيل بدء الاجتماع رسميا، لتمسك المعارضة بوجوب إمضاء المشاركين على خارطة الطريق ومن ثمة الجلوس معا إلى طاولة الحوار.

وحدثت المفاجأة، فعلى عكس ما كان منتظرا، أو لنقل في إطار تقسيم جديد للأدوار فى صلب الترويكا، سارعت حركة النهضة بالإمضاء على الوثيقة، فيما أحجم الأمين العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، أحد أضلاع الترويكا الحاكمة، عن الإمضاء واصفا العملية بـ"المهزلة".. وهنا أسقط في أيدي قادة أحزاب المعارضة، الذين اعتقدوا جازمين أن النهضة ستسعى إلى عرقلة الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني عبر رفضها التوقيع من أصله.. فساد قاعة الاجتماعات لغط كبير تضاعف باحتجاج بعض الأحزاب الصغيرة على عدم إشراك ممثليها في الحوار الوطني.

ثم سارت الأمور عكس ما يشتهيه الجميع بما شاب الجلسة من مشاكل إجرائية ومزايدات وخصومات صامتة وملاسنات كادت أن تنسف الأمل في إتمام الجلسة الأولى من الحوار الذي يعلق عليه التونسيون آمالا عريضة.

ووفق المراقبين المحليين فإن تصريحات الرئاسات الثلاثة التي عمقت الخلاف ولم تحسمه، لم تشر إلى أهمية الحوار الوطني كآخر فرصة للتوافق، يعوضها الذهاب إلى المجهول في حال إفشالها من أي طرف كان.

وكانت كلمة رئيس الحكومة الذي دعى لحضور الجلسة الافتتاحية، الوقع المختلف في صفوف الحضور حيث جدد تمسك حكومته بالبقاء في السلطة إلى حين استكمال المصادقة على الدستور الجديد والقانون الانتخابي.. وهو ما ترفضه علانية أحزاب المعارضة، وهي نقطة الخلاف الأبرز في اللقاءات التي كانت جمعت الرباعي الراعي للحوار بطرفي النزاع على مدى أكثر من شهرين ونصف، وانطلق الحوار ولا تزال أسباب فشله قائمة في ظل عدم تنازل أحد الطرفين.

طرائف لا تخلو من إيحاءات

من طرائف الجلسة الأولى، والتي ربما تكون الأخيرة في ظل تعمق الخلافات بين الفرقاء السياسيين، أن رئيس حركة وفاء عبد الرؤوف العيادي أكد في كلمته أن الهدف من الحوار الوطني هو الانقلاب على السلطة بإلغاء نتائج انتخابات أكتوبر 2013.
واعتبر أن الجلسة الأولى للحوار التي سجّلت حضور حلفاء ابن على مشهد محزن ومخزي، موضحا أنه بعد سنتين من سقوط الشهداء والجرحى من المحزن أن نجد حلفاء ابن على يعودون إلى واجهة المشهد السياسي وكأن شيئا لم يكن وقال "الحاضر الغائب في الحوار كان ابن على".

ولعل أبرز المواقف الطريفة المسجلة السبت، ما حصل مع الأستاذ عبد الستار بن موسى رئيس جمعية حقوق الإنسان بتونس من ذلة لسان أثارت موجة من التعليقات والتفاعلات التي أشعلت فضاء المواقع الاجتماعية بتونس حيث إنه في أثناء إلقاء مداخلته نطق كلمة الحمار الوطني " بدل الحوار الوطني" مما خلف سيلا من الضحك لدى الحضور من شخصيات سياسية ورؤساء أحزاب.


ومما زاد الطين بلة أنه عندما شعر بالحرج أمام الجميع وأراد إصلاح الخطأ ارتبك مرة أخرى وقال جملة كانت مصدرا لموجة عنيفة من تعليقات السخرية والاستهزاء خاصة من الأطراف التي تعارض هذه المبادرة وتعتبرها محاولة لإعادة الفلول للمشهد من جديد تحت ستار ما يسمى مبادرة الحوار إذ ارتبك مرة أخرى وقال: الحمار أفضل من الحوار لأن الحمار لما تركبه يوصلك للطريق الذي تريده أما الحوار فإن نتائجه غير مضمونة وقد تؤدي إلى مزيد من الانقسامات السياسية.

الهاجس الإرهابي أقوى من الحوار

وإن كان انطلاق الحوار الوطني صباح السبت، الحدث الأبرز خلال الأسبوع الماضي، إلا أن اجتماعات الإثنين وبالرغم من أهميتها باعتبار أنها تعبد الطريق نحو المزيد من التنازلات وبالتالي التوافقات، إلا أن الرأي العام واهتمامات الصحف ومختلف وسائل الإعلام بالحدث تراجع إلى درجة غريبة مما يقدم الدليل على أن التونسيين ملوا بالفعل من التباطؤ والتلكؤ في حل الأزمة السياسية الراهنة التي رمت بتداعياتها على عاتق المواطن وعلى مستوى عيشه ومقدرته الشرائية التي هزلت أمام الارتفاع الجنوني للأسعار.
اهتمامات التونسيين انصبت على مسائل حياتية أخرى أهمها تواتر الأخبار حول استعداد مجموعات إرهابية مدججة بالسلاح للتسلل إلى الأراضي التونسية قادمة من ليبيا بهدف تنفيذ مخططات إرهابية في تونس.
ومع تأكيد الأخبار التي أعلنت عنها مصادر أمنية مستندة إلى السلطات الجزائرية التي كانت أشعرت تونس إلى التهديد الإرهابي المتواصل الذي يستهدفها، تكثفت إجراءات المراقبة على الحدود خاصة بعد أن تولى حراس الغابات ورعاة الغنم إعلام أعوان الحرس الحدودي بتسجيلهم تحركات مريبة لبعض المجموعات التي قد تكون دخلت البلاد عبر الجبال المتاخمة للحدود مع الجارة  ليبيا.
ويذكر أن عمليات سرقة لعدد من الخرفان تواترت في القرى الحدودية مما يؤكد فرضية إقدام عناصر هذه المجموعات على سرقة ما يسدون به رمقهم مكتفين ببعض الشويهات والحال أنه كان بإمكانهم الهرب بالقطعان بأكملها.
وبالرغم من تشديد الرقابة على طول الشريط الحدودي مع الجارتين الجزائر وليبيا درءا لكل المخاطر، إلا أن أخبارا قادمة من ليبيا مفادها استعداد جماعة تسمى "مجموعة أبو عياض في ليبيا" تنفيذ عمليات إرهابية في تونس باستعمال غاز " الساران"، يأتي هذا الإعلان عقب ما أبلغته السلطات الجزائرية لنظيرتها التونسية بأن الجماعات المسلحة ستقوم بعمليات إجرامية في تونس انطلاقا من الجزائر، وستستعمل دراجات نارية من نوع "الفسبة" إلى جانب وسائل قتل ربما تكون كيميائية.
ووفق خبراء عسكريين وأمنيين، فإن تطوير " وسائل حرب " هذه المجموعات الإرهابية تجاه كل من لا يوافقها الرأي ولا يسايرها في نمط الحياة، تم التأكد منه من الأراضي السورية التي ثبت لدى المخابرات الروسية استعمال جماعات إرهابية مقاتلة هناك لأسلحة كيميائية تحصلت عليها من تنظيم القاعدة بالعراق وبافغانستان.
ويبدو أن أسلحة الدمار التي ابتكرتها الجماعات المسلحة مؤخرا، على خلفية فشلها في القضاء على مؤسسات الدولة في عدد من البلدان العربية، قد غيرت نوعيتها حيث تداولت أخبار غير مؤكدة مفادها لجوء الإرهابيين إلى زرع إبر تحمل فيروس مرض فقدان المناعة المكتسبة "السيدا" في مقاعد بالفضاءات العمومية بالمسارح ودور السينما وقاعات انتظار القطارات والمطارات، على غرار ما حدث لفتاة لبنانية بقاعة سينما ببيروت والتي غادرتها وهي تحمل الفيروس القاتل في دمها بعد تعرضها إلى وخز إبرة ملوثة في مقعدها.
وتزداد مخاوف التونسيين من خطر الإرهاب وتتضاعف نقمتهم على الطبقة السياسية التي كان رئيس الوزراء الأسبق حمادي الجبالي وصفها بكلمتين معبرتين حين قال: نكبتنا في نخبتنا"، بعد فشل الدولة في القضاء نهائيا على آفة الإرهاب وتسخير السياسيين لكل قواهم من أجل خوض المعارك الكلامية التي تؤخر المسار الانتقالي ولا تقدم للمجموعة الوطنية شيئا.
الجريدة الرسمية