رئيس التحرير
عصام كامل

إيهود يعاري: القطاع العام المصري شن حملة مقاطعة لإسرائيل في عهد السادات ومبارك.. 40 عاما من السلام البارد بين البلدين.. حجم التجارة بين البلدين لا تتعدى الــ 150 مليون دولار.. 15 ألف مصري بإسرائيل

إيهود يعاري
إيهود يعاري

على الرغم من مرور 40 عامًا على نصر أكتوبر 73، إلا أن الإسرائيليين لا يزالون يصرون على الكشف عن وثائق الخداع التي تعرضوا لها قبل حرب أكتوبر، محللين للسلام البارد بين مصر وإسرائيل حتى الآن، ومن بين هؤلاء إيهود يعاري زميل ليفر الدولي في معهد واشنطن ومعلق شئون الشرق الأوسط في القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي.

ويقول يعاري في كتاباته عن" السلام بين مصر وإسرائيل أربعين عامًا عقب «حرب أكتوبر 1973» ولا يزال السلام قائمًا":" مع ذكرى "حرب يوم الغفران" من عام 1973، تؤكد وثائق أمريكية ومواد أرشيفية إسرائيلية كُشف عنها مؤخرًا أن هجوم الجيوش العربية كان يهدف أن يكون مقدمة لدبلوماسية مكثفة تحوّل المشهد السياسي في الشرق الأوسط، وكان السادات ينظر إلى المواجهة الحاسمة على أنها انفراجة ضرورية في الجمود الدبلوماسي الذي استمر فترة طويلة في المنطقة.

ويذكر يعاري أن الحرب دشنت مجموعة من الاتفاقيات بين مصر وإسرائيل أفضت إلى التوصل إلى معاهدة سلام في مارس عام 1979، وثبت أنها الحرب الأخيرة التي تشنها أي دولة عربية ضد إسرائيل، على الرغم من الحقيقة بأن أطراف معنيين آخرين - خصوصًا سوريا، الشريك الرئيسي لمصر في الصراع - لم تشارك إستراتيجية السلام ما بعد الحرب التي اتبعها السادات، وكان الرئيس الراحل مولعًا بالقول "لا حرب بدون مصر ولا سلام بدون مصر".

وبعد مرور 40 عاما على حرب أكتوبر يقول يعاري: "أصبح من المهم تقييم سجل المعاهدة حتى الآن، فضلًا عن توقعاتها المستقبلية في ظل البيئة الإستراتيجية الفوضوية التي نشأت بعد الإطاحة برئيسين مصريين".

وأشار يعاري إلى السلام البارد بين مصر وإسرائيل قائلًا: "على مدى السنوات الأربعين الماضية سعت مصر إلى إدارة علاقاتها مع إسرائيل باستخدام صيغة تقييدية يُشار إليها في الغالب بمصطلح "السلام البارد". 

مؤكدًا أنه خلال حكم الرئيسين السادات وحسني مبارك، بدأ القطاع العام الضخم في مصر حملة مقاطعة شاملة، تمثلت في منع الشركات الإسرائيلية من الفوز بمناقصات، فيما فرضت العديد من النقابات ولجان مقاومة التطبيع قيودًا صارمة على تطور العلاقات الثنائية.

وقال يعاري: "التزمت مصر دومًا بموقفها التقليدي المناهض للصهيونية مع حفاظها على السلام في الوقت نفسه، وأن جهود توسيع نطاق الأشكال المختلفة للتعاون غير العسكري منيت دائمًا بالفشل، بما في ذلك الفكرة غير الواقعية لجلب مياه النيل لإسرائيل عبر قناة، وخطة لربط الشبكات الكهربائية بين البلدين، والاتفاق من عام 2005 لتصدير الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل، 

وتم إلغاء المبادرة الأخيرة في عام 2011 بعد سنوات من الإمداد المتقطع بصفة متكررة؛ حيث تعرض خط الأنابيب للتخريب أربع عشرة مرة من قبل بدو سيناء، كما تفتقر مصر إلى احتياطيات الغاز الكافية للحفاظ على تدفق مستمر. 

وأكد يعاري أن المجال الوحيد الذي كسب زخمًا في وقت مبكر المساعدات الإسرائيلية في تحديث قطاع الزراعة في مصر برعاية يوسف والي وقد تم التخلي عنه تدريجيا في وجه مشاعر قوية وصفها بـ"المناهضة" لإسرائيل. 

مشيرًا إلى تراجع السياحة الإسرائيلية لمصر إلى حد كبير عقب السنوات القليلة الأولى من التوصل إلى السلام، وأن تحذيرات السفر المرتبطة بالإرهاب أبطأت توافد السياح وقصرته على عدد محدود من الإسرائيليين العرب بصفة أساسية الذين يقضون عطلاتهم في منتجعات البحر الأحمر.

وعلى الصعيد الاقتصادي قال يعاري: "إن حجم التجارة السنوية لإسرائيل مع مصر لم يتجاوز 150 مليون دولار من الصادرات، وخاصة المواد الكيميائية، والنجاح الوحيد هو مبادرة "المناطق الصناعية المؤهلة"، التي توفر لمصانع مصرية في سبعة مواقع محددة امتيازات تصدير - معفاة من الرسوم الجمركية - إلى الولايات المتحدة طالما أن منتجاتها تتضمن 10 في المائة على الأقل من المكونات المصنوعة في إسرائيل. 

ونقلت العديد من مصانع النسيج الإسرائيلية الكبيرة خطوط إنتاجها إلى هذه المناطق، ويتجاوز دخلها السنوي الآن 1.5 مليار دولار.
أما من ناحية التعاملات بين الشعبين فيذكر يعاري أن القاهرة لم تنفذ سوى أجزاء محدودة من اتفاقيات التطبيع "11" التي وقعتها في تتابع سريع عقب معاهدة السلام، وليس كما كان متصورًا آنذاك، مشيرًا إلى أن التعاون بين الشبكات الإذاعية والتليفزيونية الوطنية جاءت إلى نهايته بعد إخراج برنامج مشترك واحد فقط للاحتفال بالانسحاب الإسرائيلي من سيناء في أبريل 1982.

وأكد يعاري أن الصحفيين الإسرائيليين لا يتمكنون في الوقت الحالي من الحصول على تأشيرات دخول لمصر، كما لا يأتي الصحفيون المصريون إلى إسرائيل؛ بسبب فرض حظر من قبل نقابتهم. 

مشيرًا لتوقف شركة الطيران الإسرائيلية "العال" عن تسيير رحلات إلى القاهرة؛ بسبب مخاوف تجارية وأمنية، ولا يزال "المركز الأكاديمي الإسرائيلي" في القاهرة مفتوحًا ولكنه يخدم أساسًا الطلاب المحليين الذين يدرسون اللغة العبرية، ولا تشجع الحكومة المصرية مواطني البلاد على طلب الحصول على التصريح المطلوب لزيارة إسرائيل، ومعظم المصريين المقيمين في إسرائيل والبالغ عددهم الآن 15،000 شخص هم باحثون عن العمل، كانوا قد استفادوا من الترتيب الذي يسمح لهم بدخول جنوب إسرائيل عن طريق معبر "طابا" الحدودي من دون تأشيرة، بنفس الطريقة التي يستطيع فيها الإسرائيليون زيارة القطاع الذي يحتوي على فنادق على طول ساحل البحر الأحمر من دون الحصول على تأشيرة مسبقة.

وقال يعاري: "على الرغم من أن المعاهدة فشلت في تحقيق روابط اجتماعية واقتصادية أوثق بين البلدين، إلا أنها ظلت قائمة في ظل تحديات قوية عديدة، من بينها حربان في لبنان، وجولتان من القتال بين إسرائيل وحركة «حماس» في قطاع غزة، وانتفاضتان فلسطينيتان، وسلسلة لا نهاية لها من الخلافات الثنائية لا سيما في عهد «الإخوان المسلمين» في الآونة الأخيرة في القاهرة، كما سهلت القاهرة بهدوء قيام علاقات إسرائيلية غير رسمية مع سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي الأخرى.

وأكد يعاري أن الميزة الأبرز للمعاهدة هي التعاون العسكري والاستخباراتي الذي لا يتم الإعلان عنه في الغالب بين البلدين، وفي ضوء هذه التهديدات طلبت مصر وتلقت موافقة إسرائيلية لنشر قواتها في أجزاء من شرق سيناء كانت محظورة في العادة بموجب الملحق العسكري للمعاهدة، وقد تحقق هذا التغيير من خلال "آلية الأنشطة المتفق عليها" بالتنسيق مع "القوة المتعددة الجنسيات من المراقبين"، التي تسمح لقيام تحركات للقوات المؤقتة في المناطق المحظورة وفقًا للحاجة. 

وقال يعاري: "لدى مصر الآن ما يعادل لواءين ميكانيكيين في المنطقتين "ب" و"ج" في شبه الجزيرة، بما في ذلك دبابات وطائرات أباتشي، بالإضافة لاقتلاع الملاذات الآمنة للإرهابيين في سيناء، سعت تلك القوات إلى منع التسلل والتهريب من غزة من خلال إغلاق نحو 800 نفق تربط بين مصر والقطاع، وإقامة شريط عازل عرضه نصف كيلومتر على الحدود البالغ طولها أربعة عشر كيلومترًا.

أما وزارة الخارجية المصرية فهي أقل انخراطًا بكثير في هذه العملية، وفي غضون ذلك فقدت السفارة الإسرائيلية في القاهرة مقرها عقب اجتياحها من قبل المتظاهرين الغاضبين عام 2011، ولم يتم تأجير مكاتب جديدة لها. ويعمل السفير الإسرائيلي من غرفة في فندق؛ حيث يقضي بضعة أيام فقط في الأسبوع في منصبه ويلتقي مع عدد قليل جدا من المسئولين المصريين.
الجريدة الرسمية