قيادات يجب أن تحاكم
لا يهم التضحية بدماء المئات أو حتى الآلاف من البشر من أبناء الوطن، من أجل الدفاع عن حرية الوطن وإعلاء رايته واستقلال إرادته، فهذا مما يتسابق إليه الأحرار.. لكن أن يحدث ذلك من أجل رئيس فاشل لم يستطع أن يقدم شيئا لبلده على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، فهذا هو الحمق بعينه بل الجريمة الكبرى التي يجب أن يحاكم مرتكبوها.. الحقيقة أن هذا الفاشل لم يكن يحكم مصر، وربما كان هذا جزءا من فشله.. كان هو الصورة، وكان هناك آخرون يحكمون، دون رؤية أو خبرة، أو كفاءة..
تصور هؤلاء أن أحدا لا يراهم أو يشعر بهم، لكنهم كانوا ظاهرين للعيان.. كان الأمر مكشوفا ومفضوحا، حتى للبسطاء من الناس.. وقد نبهنا إلى ذلك كثيرا وحذرنا من آثاره على مصر، لكنهم لم يلتفتوا إلى نصح أو توجيه، كعادتهم دائما، وهذا سر نكبتهم.. الإعلان الدستورى المشئوم الذي أصدره الرئيس الصورة في ٢١ نوفمبر ٢٠١٢، ثبت أن الذي كتبه وأملاه عليه وأمره بإصداره أشخاص آخرون (!!).. المهم أن يتحكم هؤلاء في مصر.. أن يقيموا فرعونا جديدا.. وللغرابة أن المستشار محمود مكى النائب الوحيد للرئيس المعزول سئل عن هذا الإعلان، فنفى معرفته به (!!) هل تتخيلون؟ وقد قال محمد فؤاد جاد الله، المستشار القانونى للمعزول إنه جىء بهذا الإعلان من خارج مؤسسة الرئاسة ومن جهة يعلمها الجميع..
وقد أدى الإعلان المشئوم إلى انقسام حاد واحتراب أهلي وعنف مجتمعى، تساقط بسببه نحو ١٥٤ قتيلا وآلاف من المصابين، علاوة على الانتهاكات البشعة لحقوق الإنسان، فضلا عن المعتقلين.. ثم كانت مهزلة حلايب وشلاتين، وسد النهضة الإثيوبى، ومؤتمر نصرة سوريا وقطع العلاقات معها، وخطاب التكفير الذي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
وكان أن خرج عشرات الملايين من شعب مصر في ٣٠ يونيو، في ثورة غير مسبوقة في التاريخ الإنساني، لتعلن رفضها لحكم الإخوان الذي استمر مدة عام واحد من الفشل والبؤس والتعاسة.. ورغم الفرص العظيمة التي أتيحت لهم لتصحيح مسارهم، إلا أنهم أعموا أبصارهم وصموا أذانهم..
وفى ٣ يوليو انحاز الجيش للثورة، وأطاح بالرئيس الفاشل ومن وراءه.. وبدلا من أن يستجيبوا لنداء العقل والحكمة والرشد، ويأخذوا خطوة إلى الوراء ليراجعوا حساباتهم ويدرسوا الأسباب التي أدت إلى فشلهم وبالتالى ثورة الجماهير عليهم، إذا بهم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها.. وكان اعتصامى رابعة والنهضة، حيث تصوروا أن إشاعة الفوضى والتهديد والوعيد والدخول في صراع دموى مع الجيش والشرطة والشعب، سوف يعيد إليهم الرئيس الفاشل، وأن الإدارة الأمريكية سوف تدعمهم وتساندهم وتقف إلى جوارهم.. لكن، هيهات..
لقد بذلت محاولات مضنية من مؤسسات الدولة، ومن رموز وطنية وشخصيات عامة، نصحا وتوجيها لهؤلاء المعتصمين للانسحاب، مع خروج آمن وعدم ملاحقة لهم.. وجاءت وفود من أمريكا وأوربا والاتحاد الأفريقي.. لكن للأسف، صدق فيهم قول القائل: قد أسمعت إذ ناديت حيا.. ولكن لا حياة لمن تنادى.. وبدأت أعمال العنف والإرهاب في سيناء وغيرها من محافظات مصر.. وتم فض الاعتصامين، وكان هناك بالطبع ضحايا كثيرون، يتحمل مسئوليتهم في المقام الأول تلك القيادات المتحجرة التي قدمت هؤلاء الضحايا قربانا «لشرعية» أسقطتها الثورة، وتغطية لفشلهم وعجزهم وحمقهم وعدم إدراكهم للواقع من ناحية، وحتى لا تتم محاسبتهم ومساءلتهم أمام تابعيهم ومناصريهم من ناحية أخرى.