عبرنا الهزيمة.. النشيد الذى لم يكتمل
في ذكرى أكتوبر، تحية للزعيم العربي والمصري الوحيد الذي استوعب وأدرك ماهية الصراع العربي الإسرائيلي، تحية إلى جمال عبدالناصر الذي لخّص في خطبته هذه مفهوم الصراع العربي الإسرائيلي قائلا:
(( لو العملية سينا بس سهلة العملية مصيرنا مصير العرب علشان لو كنا عايزين نسترد سينا ممكن بتنازلات بنقبل شروط أمريكا وشروط إسرائيل نتخلى عن الالتزام العربى ونترك لإسرائيل اليد الطولى فى القدس والضفة الغربية وأى بلد عربى ويحققوا حلمهم اللى اتكلموا فيه من النيل إلى الفرات ونتخلى عن التزامنا العربى، هذه التنازلات بنقولهم يعدوا فى قنال السويس ويرفعوا علم إسرائيل فى قناة السويس ويمشوا ويتركوا سينا، الموضوع مش هو الجلاء عن سينا وحدها؛ الموضوع أكبر من كدة بكتير، الموضوع هو أن نكون أو لا نكون )).
http://www.youtube.com/watch?v=1B90hQ9vSDA
ورفض عبدالناصر التخلي عن الواجب العربي مقابل استرداد سيناء بتنازلات ودون حرب، فسيناء لا تعني للكيان الصهيوني أكثر من تأمين جانب من حدودها، فإذا ضمنت هذا التأمين دون احتلال يكلفها ويكون عبئا ماديا ومعنويا ونفسيا عليها فلا حاجة لها بوجود قوات لها في سيناء، ولكن القيادة السياسية قررت خوض الحرب في 6 أكتوبر 1973، وللأسف الحرب على عكس ما خطط القادة العسكريون لم تكن حربا للتحرير بل كانت مجرد حربا للتحريك فقط وكانت الكارثة السياسية التي لعبت دورا مبكرا في الحرب وقبل أن يمر على الحرب أكثر من 20 ساعة صباح 7 أكتوبر كان أنور السادات قد بعث برسالة لكيسنجر قائلا فيها بالنص "إننا لا نعتزم تعميق مدى الاشتباكات أو توسيع مدى المواجهة"، وكانت تلك كارثة لم يحدث في التاريخ أن يقول طرف محارب لخصمه نواياه كاملة، ليطئمن السادات إسرائيل وأمريكا بكامل نواياه والتي أخفاها بدوره عن قيادات الجيش ولعبت السياسة الدور الأكبر والأسوأ في التاريخ المصري الحديث ليتوقف القتال وتضع الحرب أوزارها ولم يتغير شيء من الموقف بل تفوز إسرائيل بما لم يحلم به قاداتها المؤسسون والرواد وهو اعتراف مصر البلد الأكبر والمحوري والتي كانت الحركة الصهيونية موجهة بالأساس لعزله عن أمته العربية حتى تتفرغ إسرائيل لباقي الدول منفردة تارة وبمعاونة الإدارة المصرية تارة أخرى في مراحل متقدمة، كل ذلك مقابل انسحاب شكلي من سيناء مقابل اتفاقية قال عن محتواها وزير الدفاع الصهيوني وقتها عيزار فايتسمان "إنها تعادل تماما السيطرة على الأراضي" فأي أرض عادت وأي نصر جنيناه ؟
انتصرنا عسكريا في جزء من المعركة العسكرية، وأفسدت السياسة أيضا اكتمال النصر العسكري بتدخل السادات الغريب، لتتسبب قرارته في الثغرة التي غيرت مجرى المعركة عسكريا ثم تأتي الهزيمة السياسية الساحقة التي أهدرت أرواحا طاهرة ودماءً ذكية خضبت رمال سيناء لتحرر سيناء تحريرا حقيقيا كما تمناه جمال عبدالناصر، فمن المسئول عن الانكسار السياسي وإهدار مجهودات حربية عظيمة وغسيل عقول ملايين من المصريين وإيهامهم بالسلام والنصر والتحرير؟ ولماذا يصر الإعلام المصري على استمراره حتى اليوم في عملية غسيل العقول وتصويره حرب أكتوبر على أنها معركة قتالية بالطائرات والدبابات والمدافع فقط، ويتجنبون بشكل كارثي الحديث عن البعد السياسي للحرب والذي بدوره حدد مكاسبها ومخاسرها ..
ظننت بعد الثورة أن الإعلام لن يبتعد فقط عن الضربة الجوية ولكنه سيناقش الحرب بمنظور سياسي وبشكل أعمق وبنظرة أشمل لمفهوم الصراع العربي الإسرائيلي ..
تحية لرجال القوات المسلحة الذين بذلوا الغالي والنفيس لخوض معركة أكتوبر التحريرية لتحرير الأرض بمعناها الحقيقي والفعلي فخذلتهم السياسة .