رئيس التحرير
عصام كامل

"عند الخامسة".. قصة لـ "سعاد سليمان"

الروائية سعاد سليمان
الروائية سعاد سليمان

رفض ابني أحمد كل الوعود والرشاوي التي وعدته بها إذا تركني أذهب إلى المسرح بمفردي، لم يكن أمامي إلا الخضوع.
يجلس أحمد على حجري لا يكف عن الحركة ومداعبتي بمشاغباته التي لا تنتهي.
الدقة الثالثة لفتح الستار، تصل حركاته القلقة إلى حد المضايقة، أحذره وأنهره فيكف لدقائق ثم يعاود شقاواته، تصل المسرحية إلى مشهد موت جمال عبد الناصر، تنساب موسيقا حزينة وصوت مشحون بالألم : ياجمال ... ياجمال ياحبيب الملايين، تخونني دموعي وتبلل خدودي.
يشق صوت أمي صمت الذكرى البعيدة تدمدم: بكت عيني وداريتها بأيدي، وأنت عليك الصبر ياسيدي، تفيض الدموع ساخنة على رأس أحمد المستكين تماما في أحضاني، ينساب اللحن: "الوداع الوداع ياحبيب الملايين "، يلتفت مستطلعا بدهشة ما الذي يبكيني: أحوطه بذراعي حتى لا يفزع تتناهى إليَ نغمات بكاء أمي: من بكرة تنامي الليل مقهورة بقيتي مركب بلا ريس وموحولة "، تتبعها بآهة " كان بدري عليك ياشبيب.
بابتسامة دامعة تتتابع في رأسي بكائيات أمي : " دراكم وسيعة وبابها كويس ياميت ندامة صبحت بلا ريس.
ينتفض جسدي يمسك أحمد بيدي، أمسك بيد أمي أحاول امتصاص أحزانها أسألها : لماذا تبكين يا أمي بدهشة نظرت إليّ وبتنهيدة حارة قالت: أصل أبويا مات، اعقبتها بسؤال لم أعرف من أين أتيت به: من أخبرك أن أبوك مات؟ لملمت طرحتها السوداء، أخفت بها نصف وجهها، أخذتني بعمق في أحضانها، وكأنها تحتمي بي من حزن لا طاقة لها به: أبويا وأبوكي مات عبد الناصر مات.
يختلط صوت ابني بصوت أمي، أربت على كتفه، على كتفها، أهمس في أذنه، يهمس في أذني: لا تحزني يا أمي إن شاء الله ربنا يرحمه، ضممته إلي قلبي، ضمتني إلى قلبها، كان عمري، عمر ابني خمس سنوات.
الجريدة الرسمية