درســـــان عــلــى الطــريــق
لم يعد مستساغاً الفزلكة فى العرض والتحليل واستخلاص النتائج، لأن اللعب أصبح على المكشوف وعلى المنضدة.. فمن كان لديه القدرة على النزال فليشـــمر عن ســــواعــــده ويرينا قدراته وإمكانياته من خلال الشارع السياسى، وقد بادرت جماعة الإخوان من جانبها بإلقاء درسين على قارعة الطريق لمن أراد أن يتعلم.. الدرس الأول ويتمثل فيما أطلق عليه الحوار الوطنى، وقد كان يتبناه نائب رئيس الجمهورية وبرغم أنه كان حواراً من طرف واحد، كالحب من طرف واحد لا تجد له فى نفس الطرف الآخر صدى، ومع ذلك أطيح بنتائجه عند مناقشة قانون الانتخابات البرلمانية، واعتبر السيد رئيس مجلس الشورى أن هذه النتائج غير ملزمة له أو للمجلس وأن الحاكم هو التصويت وعدد الأصوات، ومرر القانون وجرى إرساله إلى المحكمة الدستورية للنظر فى مدى دستوريته، وهو فى الواقع من الناحية القانونية موقف لا غبار عليه ومن هنا وجب تعلم الدرس الأول ومؤداه: أن مجرد قبول الحوار يعد مضيعة للوقت وإهداراً للمصداقية السياسية وفقداناً لثقة الجماهير.
هذا بخلاف المأزق الذى وضعت فيه المحكمة الدستورية العليا ودفعت إليه دفعاً، وهو أن هذه المحكمة أمامها طعن بعدم دستورية مجلس الشورى لعدم دستورية القانون الذى جرى انتخاب هذا المجلس على أساسه والكل يعلم أنه باطل، ولا أدل على ذلك من إصدار الإعلان الدستورى المكمل فى نوفمبر الماضى لتحصين مجلس الشورى أو دسترته، لتمثل هذه الدسترة عائقاً أمام المحكمة الدستورية لنظر الطعن إلا إذا قضت بعدم اختصاص رئيس الجمهورية فى إصدار إعلانات دستورية وبإحالة قانون الانتخابات البرلمانية إليها وقبولها النظر فيه إقرار بشرعية مجلس الشورى الباطل، وهى الآن أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول أن تقضى ببطلان مجلس الشورى ومن ثم بطلان قانون الانتخابات.. الثانى عدم النظر فى بطلان مجلس الشورى لعدم الاختصاص ومن ثم قبول النظر فى قانون الانتخابات ومدى دستوريته، وهنا لا تعرف عاطلا من باطل.
الدرس الثانى، أنه لا مكان لقواعد اللعبة بشرف وإنما اللعب دائماً على ما يصل بى إلى الغلبة والسيطرة والتحكم وفرض الإرادة وسياسة الأمر الواقع، مستخدماً أسلوب الصدمات الذى به تجرى الهيمنة.. وقد تبدى ذلك واضحاً فى الدرس الأول، ومن الدرس الأول يمكن التعرف على معالم الدرس الثانى وهو المتعلق بالوعود التى تلقتها جموع الشعب المصرى بما فى ذلك النخبة السياسية من ضرورة تمرير الدستور، ثم نجلس سوياً فى حوار وطنى لدراسة المواد الخلافية التى تحتاج إلى تعديل ونعيد صياغتها على نحو ما توافق عليه الجميع بشأنها، ثم يقرها مجلس النواب الجديد فور تشكيله، وهنا السؤال ما وجه الإلزام على مجلس النواب كى تفرض عليه أمور من خارجه حتى ولو كانت نتاج حوار وطنى وتوافق مجتمعى؟ لا وجه للإلزام وسنجد السيد رئيس مجلس النواب يقول ما قاله السيد رئيس مجلس الشورى، وتتعطل على ضوء ذلك التعديلات الدستورية التى وعد بها الشعب المصرى.
ومن هنا ومن خلال الدرسين السابقين يتعين علينا التسليم بأن الدستور الحالى هو دستور جمهورية مصر العربية بلا تغيير ولا تعديل إلا إذا حصلت القوى المدنية على الأغلبية البرلمانية التى تتجاوز نسبة الثلثين، وهذا هو المستحيل بعينه فى ظل المعطيات الحالية.