إهدار أموال شركات التأمين
ترتب على فصل نشاطى الاستثمار والعقارات لشركات تأمين القطاع العام، وإحالة نشاط الاستثمار إلى شركتى مصر لإدارة الاستثمارات المالية ومصر للاستثمار العقارى والسياحى، وبدورها تأسيس شركة مصر لخدمات المؤسسات إلى إضعاف الملاءة المالية لهذه الشركات لأن هذه الأصول المالية والعقارية المملوكة أصلاً لشركات تأمين القطاع العام تمثل محفظة مالية متكاملة تتيح لها قدرات هائلة وتضمن توازنها المالى والاستثمارى فى مواجهة أية ظروف طارئة من جهة، وتجعل منها كيانات اقتصادية ومالية قادرة على المنافسة فى السوقين المصرية والعربية من جهة وفى مواجهة الشركات الأجنبية من جهة أخرى، وبالتالى فقد أدى سحب هذه الأصول وما ترتب عليها من أنشطة الاستثمار والعقارات إلى جعل شركات تأمين القطاع العام فى مهب الرياح العاصفة، وترتب على تفتيت هذه الكيانات العملاقة تغيير هياكل البنية الإدارية والوظيفية، بحيث تحولت هذه المؤسسات المالية وأقصد هنا شركات التأمين، إلى "قصعة للذئاب"؛ حيث جرى اختيار القيادات الجديدة سواء ما يسمى «شركة مصر القابضة للتأمين» أو الشركات السبعة التابعة الجديدة والصناديق التابعة الجديدة بعناصر من أعضاء لجنة السياسات والحزب الوطنى المنحل وقدامى قيادات الشرطة والجيش وتم تجاهل العديد من العاملين فى شركات التأمين التابعة لترقيتهم فى هذه الوظائف فى أكبر عملية اغتصاب لثروات هذه الشركات ومواردها المالية؛ حيث تقدر مبالغ العقود المالية لكل من هؤلاء بما لا يقل عن 60 ألف جنيه شهرياً، علاوة على المكافآت وبدلات حضور اللجان، وبدلات السفر وغيرها.
وإذا أخذنا مثلاً ما جرى تخصيصه من مكافآت لأعضاء مجلس إدارة شركة مصر القابضة للتأمين من واقع الأرباح الموزعة فى ختام كل سنة مالية سنجد أن متوسط ما يحصل عليه عضو مجلس إدارة هذه الشركة القابضة يتجاوز 2.4 مليون جنيه، علاوة على ما يتقاضاه شهرياً والمقدر بحوالى 750 ألف جنيه فى المتوسط، ويضاف إلى هؤلاء أعداد كبيرة من أبناء المحاسيب والأقرباء يأتون بهم بعيداً عن قوانين العمل المعمول بها، ومن خلال نظام للعقود يتجاوز قيمة العقد الواحد خمسة آلاف جنيه كحد أدنى، ويصل فى بعض العقود إلى خمسة عشر ألف جنيه. إذن نحن إزاء وليمة كبيرة من المال العام وتبديد متعمد لموارد هذه الشركات.
إننى أرى إزاء ما حدث من إهدار للمال العام خلال السنوات الماضية فإنه لا مفر من تطوير القدرات المؤسسية والتعزيز التشريعى لزيادة فعالية أداء كل من الهيئة العامة للرقابة المالية والجهاز المركزى للمحاسبات فى إحكام الرقابة على قطاع التأمين، وضرورة النص على استقلالية كل منهما والإطار العام لعملهما وأهدافهما وتوضيح العلاقة بينهما وبين سلطات الدولة من خلال قوانين جديدة يصدرها البرلمان حفاظا على ما تبقى من المال العام.