رئيس التحرير
عصام كامل

فى يوم مولد الحبيب: هل نحن مسلمون حقاً؟!


أرسلت لى امرأة، آية فى الجمال، تُذكرنى بإلحاح بالمولد النبوى الشريف ووجوب إحيائه بشكل غير مسبوق على الـ "فيس بوك" كما فى الحياة العامة، بينما كنت أُفكر فى هذا المقال. ففرحت بأن جمالها المظهرى اختلط بجمال خُلقها، مُعبراً عن سلوك واع ملأه سمو الإيمان، وبما يجب وأن نكون عليه، من مزج بين جمال الشكل والروح معاً ومُخترقاً مغزى مقالى هذا قبل أن أخُط فيه كلمة حول سلوكنا كمسلمين. وشعُرت وكأن رسالتها علامة من الله، تُرسل لى، فى صورة جزء يسير جداً من جماله فى السماء وعلى الأرض، بل فى الكون كله، بينما يُحيط بحياتنا القُبح من أغلب الجوانب، مُذكراً إبانا بمدى رِدتنا على تطبيق معانى ديننا الحنيف.

وهنا، لا يمكن لأحد فى بر مصر - وقبل أى تأثيرات أخرى تتصف بها قلوبهم - أن يُنكر مدى حب المصريين ومن منطلق اعتدالهم الصوفى الجميل، لله وللرسول عليه الصلاة والسلام، بل لكل الرسل والأنبياء، وكأن المزج ما بين المذهبين السنى والشيعى الذى اكتنف الأزهر الشريف فى بداية نشأته سنة 972 م، قد أضاف إلى الاعتدال المصرى إضافات جميلة، أخذوا من خلالها ما ينفعهم وتركوا ما يضرهم. إلا أن تلك المشاعر الطيبة، ليست دليلاً على صلاح المصريين، لأن الشرير يمكنه أن يُحب ولكنه يظل شريراً حيال غير من يحب من أفراد، وهنا تكمن إحدى مُشكلتنا الكبرى المتمثلة فى الشيزوفرنيا المتمثلة بين ما ندعيه وما نقوم به بالفعل سواءً كان متعمداً أو دون تعمد!!
والسؤال هو هل نحن مسلمون حقاً؟ فأين نحن من اتباع سنة الرسول -عليه أكرم الصلاة والسلام- فى مُعاملاتنا، وليس عبادتنا، لأن التعبد بينك وبين ربك ولكن المعاملات هى بينك وبين الناس. فأين نحن من تلك المعاملات؟ أين نحن من هذا الجمال القيمى الذى ميزنا كمسلمين فى عصور مجدنا عبر التاريخ؟! إننى لأشعر أننا وفى أغلبنا، نتبع ديناً جديداً لا يمتُ للإسلام بصلة تُذكر، حينما أرى سوء التعاملات بين المسلمين وغيرهم اليوم، بل وبين بعضهم البعض، وبالذات مع "تكاثر" تُجار الدين بيننا ومن ينافقوهم لنيل ثمنٍ دنيوى زهيد!!
ولدى الكثير من الأسئلة فى هذا المضمار وبالتأكيد يملُك كل قارئ المزيد منها، وبعض من أسئلتى التى هى للتذكير فقط: أين نحن من الإخلاص فى العمل؟ أين نحن من الصدق وقد انتشر المنافقين والكاذبين؟ أين نحن من حلو الكلام، وقد انتشر بيننا اللعن والسب؟ أين نحن من البُعد عن الغيبة والنميمة، وقد أضحى أغلبنا يأكل لحم أخيه ميتاً؟ أين نحن من حفظ الأسرار وعدم فضح غيرنا؟ أين نحن من حب الخير لغيرنا كما نحبه لأنفسنا؟ وأين نحن من الكف عن الغل والأحقاد تجاه غيرنا؟
وأيضاً: أين نحن من احترام الكبير وتوقيره، بل الكثيرون صاروا قُساة قلوب على أهليهم، أباً وأماً، وقد وصانا ديننا فى تلك، أشد الوصية؟ أين نحن من توقير النساء والبنات حيث نتعامل معهن كأجساد وليس بشر لها حقوق وعقول؟ أين نحن من العفو والتسامح ومُحاسبة الذات قبل أن نُحاسب غيرنا والدفع باللتى هى أحسن مع خصومنا؟ أين نحن من الحكمة والموعظة الحسنة والقراءة والعلم وإتقان العمل؟ أين نحن من نشر الخُلق القويم دون فجاجة والتعامل السمح مع غير المسلمين، لنُصبح عنوناً دعوياً لديننا؟ أين نحن من الكلمة الطيبة والتصدق بها؟ أين نحن من حماية الضعيف؟ أين نحن من الرفق بالحيوان وغير تلك من الأسئلة الكثيرة؟! أين نحن من كل هذا؟ّ!
لست بخال من العيوب، بل إننى أمتلئ بها وأتمنى أن نصل جميعاً إلى جمال المعنى وتطبيقه من خلال إعادة قراءة للرسالة المُحمدية، التى ننتمى إليها، من اليوم، وتطبيقها فى حياتنا، بتغيير سلوكنا للأفضل. وتلك يُمكنها أن تكون "ثورة سلوك" خاصة بكل واحد منا، كان يجب وأن تحدث قبل أحداث 25 يناير 2011، لكى لا نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم من مأساة!!
إن أغلب ما نُعانيه من مشاكل اليوم، يعود إلى غياب الأخلاق عنا، وليس العبادات. فلا يمكن لأحد أن ينكر، ازدحام الشوارع وقت الصلاة. حيث نعبد الله، ولكن دون الحفاظ على مُعاملات سليمة تتوازى مع تلك العبادات، فى سعينا للأفضل!!
إننا مسلمون ولكننا نسينا ما وجب علينا أن نفعله من اقتداء برسول الله -عليه الصلاة والسلام-، بينما هو لنا أسوة حسنة. فالأمر ليس عبادة فقط ولكنه سلوك أيضاً!!
فلنجعل احتفالنا فى تلك السنة بالمولد النبوى الشريف، مختلفاً عن كل عام، بأن نبدأ فى تطبيق سُنة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولنُحاسب أنفسنا على مسيرتنا نحو الأفضل، حيث لن نتغير أبداً إلا مع السعى نحو تغيير أنفسنا قبل أن نُغير غيرنا. إلا أن تغيير النفس هو رحلة حياة تستمر إلى الممات، أطال الله فى عمر الجميع وأنعم علينا جيمعاً بالخُلق والعلم القويم تيمُنا بمحمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام، لكى نستطيع أن نُغير بلادنا مع مواطنينا من غير المسلمين، للأفضل!!
"إن الله لا يُغير ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم"
صدق الله العظيم
كل عام وأنتم بخير
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية
الجريدة الرسمية