رئيس التحرير
عصام كامل

الدمث، باحثًا عن صِدام ومواجهة


لعل عبارة مختصرة تشرح فكر باراك أوباما أفضل من كتاب، فهو بعد أن أقسم يمين الرئاسة فى البيت الأبيض الأحد التفت إلى أسرته وقال: «عملتها»، بمعنى أنه نجح أو حقق ما يريد بإعادة انتخابه رئيساً. وبقى أن ننتظر ما سيعمل فى السنوات الأربع القادمة.

ثمة قناعة أشترك فيها خلاصتها أن الرئيس التوافقى فى السنوات الأربع الماضية سيخلفه رئيس صِدامى فى ولايته الثانية لتحرره من القيود التى فرضها على نفسه ليضمن إعادة انتخابه. وهكذا فقد قرأت «وداعاً للسيد المهذب»، أو اللطيف، وأيضاً «الرئيس الأنيس، أو الدمث، يتكلم بحدة»، وهذا ما فعل فى مؤتمر صحفى فى 14 من هذا الشهر عندما هدد الجمهوريين إذا لم يغيروا موقفهم من الأزمة المالية المستمرة وقال إنه:» يرفض البحث فى سقف الدين الذى يريد رفعه، كما يرفض التفاوض ومسدس مصوب إلى رأس الشعب الأمريكي».
بعد أسبوع أدى أوباما يمين الرئاسة ليبدأ ولايته الثانية، ثم أدى القسَم مرة ثانية على تلة الكابيتول بحضور المشترعين الأمريكيين ومئات ألوف الأمريكيين. وفى حين أن خطابه كان قصيراً، ولم يتجاوز 15 دقيقة، فإنه واصل تحدى الجمهوريين بتأييد زواج المثليين، وهو موضوع لم يتطرق إليه أى رئيس سبقه فى خطاب الرئاسة، ومواجهة تغيير الطقس فهو يريد خفض معدلات الكربون، وهدم الهوة بين الأثرياء والفقراء. بل إنه شبّه كفاح المثليين بكفاح الأميركيين السود فى ستينات القرن الماضى لتحقيق المساواة.
الجمهوريون قالوا لا لكل اقتراح قدمه الرئيس فى السنوات الأربع الماضية ودفع الأمريكيون الثمن. والآن يشعر الرئيس بثقة فى قدرته إلى درجة الحديث عن توسيع برنامج الرعاية الاجتماعية الذى أقِرّ عام 2010، وعارضه الجمهوريون بشدة وحاولوا نقضه.
ذهب الرئيس أمس وأسرته وكبار القوم إلى كاتدرائية واشنطن الوطنية للصلاة، وأجندة السنوات الأربع القادمة ستتضح عندما يلقى خطابه عن حالة الاتحاد بعد حوالى ثلاثة أسابيع، وسواء اختار المهادنة والمشاركة مرة أخرى أو طلع على الناس باحثاً عن صِدام ومواجهة، فإن القضايا التى تبحث عن حلول كثيرة، ما يستحيل معه حلها جميعاً، وإنما قد ينجح فى بعضها ويفشل فى بعض آخر أو يهمله.
هو يواجه الأزمة المالية المستمرة، وجولة جديدة من المفاوضات مع الحزب الجمهورى لرفع سقف الدين، وإذا لم يحصل اتفاق قبل 27 آذار (مارس) فستغلق الوكالات الفيدرالية أبوابها لعدم وجود فلوس لدفع المرتبات. ثم هناك إصدار قانون يحدّ من حمل السلاح، وتغيير الطقس والهجرة.
خارج بلاده هو يواجه نفوذاً محدوداً إزاء إيران وكوريا الشمالية ومصر وباكستان وإسرائيل، ومعها سوريا والجزائر ومالى وأفغانستان.
أرجح أن اليمين الأمريكي، من الحزب الجمهورى إلى لوبى إسرائيل والمحافظين الجدد دعاة الحروب والهيمنة، سيحاول إلهاء الرئيس بمعارك داخلية وخارجية تمنعه من التركيز على القضية الفلسطينية وحل الدولتين.
الأزمة المالية الأمريكية تكفى لإلهاء الرئيس عن كل أزمة أخرى، وإيران، أو كوريا الشمالية، لا يمكن أن تهدد الولايات المتحدة اليوم أو بعد مائة سنة. وأجد أن الموقف من إيران وبرنامجها النووى إسرائيلى مائة فى المائة، أما الإرهاب فى شمال غربى أفريقيا فهو مشكلة إقليمية وأوروبية قبل أن تكون أمريكية.
الرئيس يبقى فى مركز قوى فى ولايته الثانية، خصوصاً أن الجمهوريين منقسمون على أنفسهم، والاتفاق فى آخر لحظة لمنع السقوط فى الهوة المالية من أسباب أن رئيس مجلس النواب جون بونر وجد معارضة من بعض أعضاء حزبه لإعادة انتخابه رئيساً، وأن رئيس الأقلية الجمهورية فى مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل رأى فى ولايته كونتكت دعايات ضده تقول «ميتش ماكونيل مع أى جانب أنت؟»
وإذا زدنا على هذا أن باراك أوباما يكره بنيامين نتنياهو، فإننا نجد أسباباً لنتـــوقع أن الرئيـــس العائد لولاية ثانية سيجد الوقت للاهتمام بالنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، ومحاولة إحراج رئيس الوزراء الإسرائيلى وزيادة عزلته، دون أن يعنى هذا أنه سيحقق حلاً عجز عن مثله كل رئيس أمريكى سبقه.
-نقلاً عن الحياة اللندنية-
الجريدة الرسمية