فغداً .. قد نلقى الأحبة
"يا حسرتا على ما فرطتُ فى جنب الله، وإن كنتُ لمن الساخرين"، إلهى، قد حكمت، وحكمُك عدل، وقضيت، وقضاؤك عدل، ولا رادّ لما قضيت، ولا مُغيّر لما حكمت، فالموتُ نهايةُ كل حى، وكلٌّ ابن آدم وإن طالت سلامتُه، على آلة حدباء محمولُ.
يا رب..قلبى ، الذى خلقته واهنا، وجعلته سر ضعفى، لا يخشى موتاً قريباً، لكنه يهاب لقاءك، فماذا عساى أن أفعل حين أمثلُ أمامك، وبأى أسباب سوف أدفع، كى أبرر بها خطاياى وآثامى؟
لا، والله، لم أعد أتهيبُ لقاء ملك الموت، الذى يُفزعنى به أطبائى، فى كل حين، ومع كل وعكة، ولكنّ قلبى الواهن يرتجفُ من لقائك، وساعة حسابك.
كثيراً ما جلستُ مع نفسى، أعتكفُ على صياغة حيثيات أخطائى وخطاياى، وأحفظها عن ظهر قلب، حتى أقدمها لك يوم أن ألقاك، ولكن سرعان ما أمزّق ما كتبتُ، وأنسى ما حفظتُ،لإدراكى بضعف حُجتى، وقلة حيلتى، ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي، جعلتُ الرجا مني لعفوكَ سُلّما،عسى من له الإحسانُ يغفرُ زلّتي ، ويسترُ أوزاري وما قد تقدما.
إلهى، إن عفوك أعظمُ من ذنوب كل المخطئين والآثمين، وأنا أحدُهم، بل فى الصدارة منهم، فإليك، إله الخلق، أرفعُ رغبتي، وإن كنتُ يا ذا المن والجود مُجرما، تعاظمني ذنبي، فلما قرنتُه بعفوك ربي، كان عفوُك أعظما، فما زِلتَ ذا عفو عن الذنب، لم تزل تجودُ وتعفو منّة وتكرُّما، فإن تعفُ عني، تعفُ عن مُتمردٍ ظلومٍ غشومٍ، حين يلقاكَ مُسلما، وإن تنتقم مني، فلستُ بآيسِ، ولو أدْخِلَتْ نفسي بجرمي جهنَّم، فجُرمي عظيمٌ من قديمٍ وحادثٍ ، وعفوك، يا ذا العفو، أعلى وأجسم، فلولاك لم يصمد لإبليس عابدٌ، فكيف، وقد أغوى صفيّك آدم؟
فالذنب ذنبى، لستُ أدفعه، يا رب، ولكن تلك الآيات عندما أسمعها، تهدأ نفسى، ويراودنى الأمل فى غفرانك:"قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ، وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ، أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ".
فعلى أية حال، أهلاً بقضائك المحتوم يا إلهى، فغداً، أوعمّا قريب، قد نلقى الأحبَة.