تونس على "المحك" بعد رفض "النهضة" إقالة "العريض".. شكوك فى نوايا اتحاد الشغل بخصوص الحوار الوطنى.. المعارضة ترى رسالة الحزب الحاكم "النصف الفارغ من الكأس".. وأمريكا تشعر بالقلق
أكد اتحاد الشغل بتونس، أن الجلسة الأولى للحوار الوطني الذي قبلت به حركة النهضة الحاكمة، سيحضرها الرؤساء الثلاثة ومسئولو الأحزاب الممثلة في المجلس التأسيسي، فيما لم يوضح بيان اتحاد الشغل لا موعد إجراء الحوار ولا مكانه، ما فتح باب التخمينات على مصراعيه، خاصة أن فريقا كبيرا من السياسيين على قناعة بأن النهضة لم تقبل في حقيقة الأمر باستقالة حكومة الترويكا قبل البدء في الحوار وفق ما تنص عليه خارطة الطريق.
خارطة الطريق التي انبثقت عن مبادرة اتحاد الشغل، الراعي للحوار إلى جانب منظمات وطنية أخرى تقتضي باستقالة حكومة الترويكا ثم انطلاق الحوار فيما لا تزال حركة النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم متمسكة، على ما يبدو بمواصلة عمل حكومة على العريض إلى حين الانتهاء من الحوار، بمعنى أنها لن تستقيل قبل المصادقة نهائيا على الدستور الجديد، وبعبارة أدق لن تترك الحكومة الحالية السلطة قبل شهر على أقل تقدير، وهو ما لم تستسغه أحزاب المعارضة والرباعي الراعي للحوار.
يأتي إعلان اتحاد الشغل عن حضور الرئاسات الثلاثة ( رئيس الحكومة ورئيس الدولة ورئيس المجلس التأسيسي)، للجلسة الأولى للحوار وكأنه يجيب على سؤال يتوقع أنه كان سيطرح في وقته المناسب.
فالجدل القائم حاليا يتمحور حول الفهم الصحيح والوحيد لموافقة حركة النهضة على خارطة طريق اتحاد الشغل، خارطة اتحاد الشغل وهو اسمها الحقيقي وليس خارطة الرباعي الراعي للحوار، وهو في الواقع منظمات وطنية وجدت نفسها في خضم المفاوضات الاستراتيجية فلم تجد للانسحاب سبيلا فرضخت لمشيئة اتحاد الشغل ففعل بها ما أراد.. وهو موقف فريق كبير من التونسيين الذين يرون أن اتحادهم الذي يضم نحو مليون منخرط حاد عن الطريق الصحيح وخيب ظنهم بانحيازه الأعمى للمعارضة وتسييسه في ظرف قطيعة تامة يعيشها رجل الشارع مع النخبة السياسية.
ففي ظل قراءتين مختلفتين لوثيقة حركة النهضة التي أرسلتها إلى اتحاد الشغل تعلمه من خلالها بموافقتها على مبادرته المعدلة، انقسمت المعارضة إلى فريقين، أحدهما يعتبر موقف النهضة دفعا جديدا للمفاوضات الجارية ودليل حسن نية من الحزب الحاكم بما من شأنه مضاعفة حظوظ حل الأزمة السياسية في أسرع الأوقات والمرور إلى الانتخابات خلال أسابيع بعد استكمال الدستور "تحت جناحي" حكومة كفاءات مستقلة تماما كما تنص مبادرة الاتحاد على ذلك.
أما الفريق الثاني، الذي دأب على تحليل النصف الفارغ من الكأس فإنه يعتقد أن رسالة النهضة ليست سوى مناورة سياسية جديدة تعودت عليها الحركة كلما ضاقت بها السبل وأحست بخطر الضغوطات يحبس أنفاسها ويعوق تحركاتها.
إلا أن المحللين السياسيين يجمعون على أن الصراع الذي انطلقت نيرانه بين حكومة الترويكا والمعارضة المنضوية تحت لواء ما يسمى بـ جبهة الإنقاذ الوطني"، غيرت أبطالها لتصبح خلافا جوهريا بين النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم واتحاد الشغل الذي يرأس الرباعي الراعي للحوار.
وتجلى ذلك للعيان بعد سلسلة المسيرات الشعبية التي دعا إليها الاتحاد أنصاره في بعض جهات البلاد وساندتها المنظمات الثلاث بتحريض أعضائها في الداخل على الإسهام في إنجاحها.
وبعد أن بات من الواضح أن النهضة أعادت صياغة ورقة العمل التي بعثت بها منذ أكثر من أسبوعين إلى اتحاد الشغل، ضمنت فيها موافقتها على مبادرته مع تحفظها على بعض النقاط، بما يعني أن النهضة الحاكمة لم تعلن موافقتها المبدئية على حل الحكومة الآن، ووفق ما قاله العجمي الوريمي القيادي المكلف بالإعلام صلب الحركة، فإن النهضة لم تقبل بخارطة الطريق أمس فقط بل إن ذلك تم منذ أسبوعين.
وهكذا تكون المفاوضات التي ظن اتحاد الشغل أنها أثمرت توافقا بين طرفي النزاع، قد عادت بالفرقاء السياسيين إلى المربع الأول بما أن الشرط الأساسي والذي عليه بنى الرباعي باقي بنود مبادرته يقتضي باستقالة حكومة على العريض ثم الدخول في حوار قصد تشكيل حكومة كفاءات مستقلة تقود البلاد إلى الانتخابات.
اليوم والحال على ما هي عليه، باتت البلاد على صفيح ساخن بالفعل، إذ أدخلت المراسلة الأخيرة للنهضة في اتجاه اتحاد الشغل الكثير من الإرباك على الساحة السياسية المرتبكة أصلا، فيما يسعى الرباعي الراعي للحوار إلى استباق الأحداث والاستعداد إجرائيا لبدء ترتيبات الحوار الوطني فيما قال عنه الملاحظون بأنه ينطبق عليه المثل التونسي القائل "أحضر الحصير قبل المسجد".
المتتبعون للشأن المحلي يقرون بأنه لا مثيل لحركة النهضة على طرح المناورات المتشعبة التي تغيب في ثناياها عقدة الحل والربط، وبأن الأرضية الوحيدة التي تجمع الفرقاء السياسيين هي اتفاقهم حول ضرورة التعجيل بالخروج من الأزمة الخانقة التي تكاد تعصف باقتصاد الدولة المنهار، خاصة في ظل ترقب المؤسسات المالية العربية والدولية استقرار الأوضاع في تونس لتنطلق في تنفيذ مشاريعها الاستثمارية الكبرى التي بإمكانها وحدها ضخ أكسجين الإنقاذ في الاقتصاد التونسي المنهار.
لقد بات من الثابت الآن أن سباقا ضد عقارب الساعة تقوده الأحزاب المتنفدة في الساحة السياسية بدعم_ إن لم نقل بضغط_ من القوى الأجنبية وعلى رأسها البيت الأبيض، الذي ينظر بعين قلقة إلى تدهور الأوضاع في تونس وإلى تعثر المسار الانتقالي الذي تدعمه أمريكا التي لا تقف في صف أحد طرفي النزاع إلى اليوم على حساب آخر، ولكنه موقف محايد يمكن أن يتغير وفق مجريات الأحداث المتلاحقة.
ولذلك، يعتبر المحللون السياسيون أنه من مصلحة حركة النهضة ترتيب بيتها الداخلي أولا بعد تأكد خروج بعض القيادات عن الصف النضالي دون مغادرة الحركة نهائيا أو الانقلاب عليها، وآخرها استقالة المستشار الإعلامي للحركة من منصبه دون ضجيج، وعليها في مرحلة أخرى الإنصات أكثر إلى نبض الشارع واعتماده كأرضية لقراراتها مع التنصيص على عدم التنازل أكثر حتى لا تخسر الدابة وما عليها.
أما أحزاب المعارضة ومعها الرباعي الراعي للحوار وحزب التكتل أحد أضلاع الترويكا الحاكمة، فيتوجب ألا تضع استقالة الحكومة كشرط أساسي للتوافق، وكما ينصح الخبراء في السياسة، فإن على المعارضة الارتقاء بطلباتها بما يخدم مصلحة اقتصاد البلد أولا والترفع عن تحريك الشارع المتأزم من تواصل الأزمة التي تعود مسئولية إشعالها إلى كل الأطراف مجتمعة.
أيام عصيبة أخرى تقدم عليها تونس وقد اختلطت الأوراق وتعددت القراءات لنص واحد، بما ينبئ بأن جراح البلاد النازفة لن تجد علاجا لها خلال الفترة القليلة المقبلة، طالما أن السياسيين لم يعوا بعد أن مفتاح ازدهار أي بلد مرتبط شديد الارتباط باستقراره السياسي وأن مفتاح انتعاشة اقتصاده يمر حتما عبر توفير الأمن والأمان والاستقرار الذي يشكل كلمة السر التي تفتح أمامه أبواب ثقة المستثمرين العرب والأجانب وحتى المحليين.