رئيس التحرير
عصام كامل

مكوك الموازنة العامة للدولة


تعتبر الموازنة العامة للدول ذات أهمية كبيرة من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعد الموازنة العامة الأداء الذى تستطيع من خلاله الدولة وضع تقديرات دقيقة للإيرادات والنفقات، وعن طريقها أيضا يمكن للدولة أن تعرف مقدار العجز فى الموازنة، ويعتبر عجز الموازنة العامة للدول عموما النامية منها والمتقدمة عقبة تقف أمام سير الدولة فى برنامجها فى التنمية.

وتعتبر مصر من الدول التى عانت من تطور العجز واستمراره فى موازناتها لسنوات طويلة، ولم تعرف مصر الديون الخارجية حتى عهد محمد على باشا، نظرا لاحتكاره التجارة الخارجية والداخلية فى الوقت الذى كان يخشى فيه محمد على الاقتراض من الخارج خوفا من التدخل الأجنبى وحتى القروض التى كانت آنذاك لم تكن إلا قروضا للإنفاق الشخصى وليست قروضا للإنتاج.
لقد عاشت مصر تجارب مريرة مع القروض الأجنبية، سواء من صندوق النقد الدولى أو من الدول الأجنبية، وقد بدأت مصر تقترض من الدول الأجنبية فى عهد الخديوى سعيد (1854 - 1863)، حيث حصلت فى عهده على أول قرض خارجى، وكانت هذه القروض بضمان حصيلة ضرائب الأطيان والجمارك، ومع حياة البذخ التى كان يعيشها سعيد بدأت مصر تدخل فى أزمة طاحنة وزادت أعباء تلك الديون، ولم تكف هذه الحصيلة وغيرها لسداد القروض وتضاءلت الثقة بالحكومة المصرية، فبدأت الدول الأوربية التدخل المباشر فى سياسة الحكومة المصرية، فكانت بعثة كييف سنة 1875 واقترحت إنشاء مصلحة للرقابة على مالية مصر وأن يخضع الخديو لمشورتها، ولا يعقد قرض إلا بموافقتها وكان هذا إيذانا ببدء الاستعمار، حيث باعت مصر حصتها فى قناة السويس لبريطانيا وبعد سنوات قليلة قامت بريطانيا باحتلال مصر.
وفى عهد الخديو إسماعيل اتسعت حركة القروض من الداخل والخارج برغم زيادة الإيرادات، ولكن كانت هناك إساءة فى استخدام هذه الإيرادات حتى أعلن عام 1886 عن إفلاس الدولة، وبدأت بعدها مصر تدخل منعطفا خطيرا من سوء الأحوال الاقتصادية والسياسية وبدأت الدولة فى التوسع فى الاقتراض لسداد بعض التزاماتها، ولأن مصر كونها دولة فقيرة فإن العبء الأكبر لقروضها قد وقع على أفراد الشعب المصرى، حيث كان عبء القروض فى الماضى يتركز على الطبقة محدودة الدخل بينما تخف الأعباء المالية على الأقلية الرأسمالية المسيطرة.
وفى عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر رفض صندوق النقد الدولى طلب مصر الحصول على قرض لتمويل بناء مشروع السد العالى، أحد أهم المشاريع التى أقيمت فى مصر خلال القرن الماضى، حيث عرقلت الدول العظمى هذا الأمر لتمنع مصر من تنفيذ مشروعها، وحينها لجأ عبدالناصر إلى تأميم شركة قناة السويس وتعرضت مصر بعدها للعدوان الثلاثى عام 1956.
وقد نفذت مصر منذ الثمانينيات حتى اليوم أربعة برامج اقتصادية بدعم مالى من صندوق النقد الدولى، وذلك بقيمة إجمالية 1.850 مليار دولار أمريكى بأسعار الصرف فى نهاية مايو 2011، غير أن نحو خُمس المبلغ المتاح فقط هو الذى تم صرفه بالفعل ولم تفلح كل هذه القروض، والتى كان يلازمها تدخلا فى السياسة الاقتصادية المصرية فى حل المشكلات الاقتصادية، بل تفاقمت هذه المشكلات حتى بلغت حدا لا يطاق خلال الـ 15 عاما الأخيرة.
الجريدة الرسمية