ابحثوا لكم عن شعب آخر
سوف تجدهم هناك دائمًا في مواقع كثيرة، لكنهم قلة.. يشعرون بالتأفف والضجر والتبرم.. ينطبق عليهم المثل «لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب».. وبدلا من أن يترجموا هذا التبرم في عمل نافع.. إذا بهم يصبون جامّ غضبهم على الشعب المصرى.. ينعتونه بأوصاف كثيرة، وأنه دون كل الشعوب الأخرى، مع أنهم جزء منه.. هذا الشعب هو أنا وأنت، أبى وأبوك، أمى وأمك، أخى وأخوك، أختى وأختك، جدى وجدك، وهكذا..
ربما سافر بعضهم إلى أوربا أو أمريكا، أو إلى أي بلد عربى، وعندما عادوا وجدناهم ناقمين على كل شيء.. هل لأنهم نالوا علما، أو جمعوا مالا؟.. ربما.. لكن المسألة ليست مرتبطة بهذا أو ذاك.. هو سلوك نفسى وعصبى ووجدانى.. هذا الشعب بسيط، لكنه يتمتع بذكاء اجتماعى عال..لا تستطيع أن تغشه أو تخدعه أو تضحك عليه.. ربما يعطيك هذا الإحساس الزائف لفترة، لكنه يمنحك فرصة لتراجع موقفك.. لديه خفة ظل مبهرة وقدرة فذة على السخرية اللاذعة، خاصة من حكامه الطغاة أو من كل مسئول استخف به أو جار عليه.. في أحرج اللحظات، لا يفقد الشعب ابتسامته ونكاته، حتى شاع عنه أنه «ابن نكتة»، وأنه إذا لم يجد من يسخر منه، سخر من نفسه..
هذا الشعب الأبى استطاع في عامين ونصف فقط أن يصنع ثورتين عظيمتين رائعتين، بل غير مسبوقتين في التاريخ، وأن يسقط رئيسين.. هما ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣.. ليس من المبالغة أن نقول إن كل واحدة من الثورتين تمثل مجدا وفخرا، ليس للشعب المصرى فحسب، وإنما للشعوب العربية والإسلامية، بل للشعوب المحبة والمتطلعة للحرية والعزة على مستوى العالم..
بالطبع هناك بعض السلبيات في الشعب المصرى، شأنه في ذلك شأن الشعوب الأخرى، لكن هذه السلبيات مرجعها في الأساس تلك الفترة الطويلة من القهر والمعاناة التي ذاقها على يد الحكام الطغاة والفراعين الصغار.. لقد تحمل الشعب المصرى كثيرا، وصبر طويلا.. ومعنى أن يثور، أن القهر والقمع والعنت بلغ مداه.. بلغ حدا لا يمكن السكوت عليه.. وبالإضافة إلى قدرته على التحمل المذهل والصبر الجميل على الأذى، فهو في مجمله شعب طيب، عاطفى، متسامح، شهم، كريم.. لذلك كان الانحياز للشعب المصرى يمثل قيمة كبرى وعلامة بارزة، عنوانها وسمتها الشهامة والمروءة والوفاء.. من هنا نستطيع أن نفهم ما فعله المشير طنطاوي والمجلس العسكري بانحيازهما لثورة ٢٥ يناير، وما فعله الفريق أول عبد الفتاح السيسى والقيادة العامة للقوات المسلحة بانحيازهما للشعب في ٣٠ يونيو، و٣ يوليو..
من أراد أن يكون له موطئ قدم، محترم ومعتبر في مصر، فليكن انحيازه بكل وضوح للشعب المصرى، وليس لأحد غيره.. لأنه ببساطة صاحب الشرعية ومصدر كل السلطات.. عليه أن يتواضع له، ويحنو عليه، ويحسن إليه، ويعدل معه، وأن يشعر بآماله وآلامه، ويشاركه أفراحه وأتراحه.. أما إذا أراد أن يستخدمه سلما للوصول إلى السلطة، ثم يعامله بقسوة وغلظة، فعليه أن يتحمل غضبته وثورته.. أقول ذلك لكل الأحزاب والجماعات والقوى السياسية والرموز الوطنية والشخصيات العامة دون استثناء..
ثمة حقيقة مهمة لا بد أن نكون على يقين منها، وهى أن الشعب المصرى الذي صنع هاتين الثورتين، قادر على أن يصنع ثورات في التعليم والبحث العلمى والصحة والزراعة والصناعة والطاقة، وأن يخرج من المحلية إلى العالمية.. وفى النهاية، هذا هو شعب مصر، وإن لم يعجبكم، فابحثوا لكم عن شعب آخر..
habib1928@gmail.com