رئيس التحرير
عصام كامل

حماس تنكسر.. قطر تضع مشعل تحت الإقامة الجبرية.. انقسامات بالمكتب السياسي للحركة.. طهران وبيروت والخرطوم مرشحين لنقل مقر الحركة.. الأردن تتراجع عن استضافتهم بعد سقوط الإخوان في مصر

 خالد مشعل
خالد مشعل

يعيش رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل نوعًا من «الحصار» بحجة الحفاظ على أمنه؛ فمشعل غائب عن الساحة الفلسطينية، ويملأ وقته بممارسة الرياضة، فيما كوادر الحركة يناقشون صعوبات ما بعد انهيار حكم «الإخوان» في مصر والانكفاء القطري.

ويجري البحث جار عن مقر آخر للحركة غير الدوحة؛ فدمشق عاتبة بقوة، وإن كانت هناك إشارات إلى أنها تقبل العودة بشروط، فيما طهران مستعدة لفتح أبوابها. لكن الظروف الموضوعية ترشح السودان كأكثر الوجهات احتمالًا... إذا بقي هذا البلد مستقرًا.

ويشعر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل أنه يعيش في قطر ما يشبه الحصار، أو الإقامة الجبرية. هذا ما أسرّ به لبعض المقربين، وفقًا لما ذكرته صحيفة "الأخبار اللبنانية" وشكا الرجل من عدم قدرته على التحرك براحة، بسبب الاستنفار الأمني من حوله. قيل له مرارًا إن سفره يمثّل خطرًا عليه. وهو، أصلًا، ممنوع من التصريح، وغير قادر على استقبال كل من يرغب في لقائه.

باختصار، يعيش خالد مشعل، اليوم، حالة من البطالة. ففلسطين وهمومها بعيدة عن الفيلا الفاخرة التي خصّصت لإقامته والتي لا يغادرها كثيرًا. ووصل الأمر بأحد قيادات الحركة إلى التساؤل: هل هناك قرار بمنع خروج مشعل من قطر؟ 

ففي الإمارة الخليجية، يعيش الحمساويون ــــ وليس مشعل وحده ــــ أسوأ أيامهم. وعلى رغم «خوف السلطات» عليهم، إلا أن المفارقة أن الحماية الأمنية المؤمّنة لهم غير كافية. وبعض هؤلاء «لا يستطيع النوم ليلًا بسبب حالة القلق التي يعيشها»، بحسب ما ينقل بعض من التقى تلك القيادات. تصرفات السلطات القطرية دفعت ببعض أعضاء المكتب السياسي الغاضبين إلى التفكير جديًا في الرحيل من الدوحة، والمطالبة بنقل مقر إقامة رئيس المكتب السياسي إلى خارجها.

وتشير المصادر إلى أن مشعل أبدى موافقة على فكرة الانتقال من الدوحة إلى مكان آخر: طهران، بيروت أو الخرطوم، وأن البحث في الأمر بدأ مع الحليف الأقرب والأوثق، برغم كل الخلافات... إنه حزب الله.

انقسام المكتب السياسي 
المعاملة القطرية السيئة لمشعل أجّجت الخلافات داخل حماس. ففي الأساس، كان بعض أعضاء المكتب السياسي قد رفضوا خطوة الخروج من سوريا إلى الدوحة، لما تحمله من معانٍ مستفزة لمحور المقاومة الذي لا تزال الحركة تصرّ على الانتماء اليه. 

يؤكّد متابعون للملف الحمساوي أن «قرار الذهاب إلى قطر لم يتخذ بموافقة كامل أعضاء المجلس، وجرى التصويت بمن حضر». ويوضح هؤلاء: «كان الحاضرون حينها ثمانية من أصل ثمانية عشر عضوًا». كوادر الداخل الذين يعرفون تمامًا قيمة ما قدمته إيران وحزب الله وسوريا لهم كانوا أبرز الرافضين، ولذلك «عندما زار رئيس هيئة العلماء المسلمين يوسف القرضاوي غزة، تمنى رئيس الوزراء المنتهية ولايته إسماعيل هنية عليه عدم انتقاد حزب الله من على منابر القطاع». ولكن القرار اتخذ: انسحبت «حماس» من سوريا، ورفعت لواء «الإخوان» وتبنّت سياستهم المعادية لدمشق التي آوتهم حين كانوا مرفوضين في العالم.
في الفترة الماضية، أصدر المكتب السياسي للحركة بيانات عدة. أحد هذه البيانات صدر عن نائب مشعل، موسى أبو مرزوق، بعد دخول سيطرة حزب الله على مدينة القصير، تمنى على الحزب سحب عناصره من سوريا.

لكن أبو مرزوق أوضح لقيادات في الحزب، في ما بعد، أنه «ضُغط علينا لإصدار البيان، لا بل إنه كان مطلوبًا أن يكون أشد لهجة ضد حزب الله»، بحسب مصادر قريبة من حزب الله. يومها، استوعب الحزب الإحراج الذي تعيشه الحركة، وأبدى تفهّمه لما قد يصدر عنها. لذلك لم تتوقف زيارات أعضاء المكتب السياسي للحركة إلى بيروت حيث يحلون ضيوفًا على حزب الله. في إحدى زيارات القيادي محمود الزهار الاخيرة للبنان، «التقى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أكثر من 6 ساعات»، يقول أحد الحمساويين.

القسّام: السلاح الإيراني يحمينا 
على مدى سنوات تعاونت كتائب القسام مع حزب الله. تبادل الطرفان الخبرات. أوصل الحزب السلاح الإيراني إلى القطاع، واعتقلت شبكات للحزب في مصر بتهمة مساعدة المقاومة في غزة. لا تزال هذه العلاقة قائمة حتى الآن. يزور أبناء القسام بيروت. يمكثون أيامًا عدة في العاصمة اللبنانية في ضيافة الحزب في طريقهم إلى إيران. التنسيق بين الطرفين لا يمر في أغلب الاحيان عبر المكتب السياسي لحماس أو الحزب بل عبر «عسكر» الطرفين. حتى الآن، تؤكد الحركة التي أسّسها الشيخ الشهيد أحمد ياسين أنها مقاومة فلسطينية، حتى ولو ضلّ بعض أبنائها الطريق وأعطوا الأولوية لقتال النظام في سوريا.

من جهته، حزب الله يفضّل عدم تحميل الحركة مسئولية تصرفات بعض عناصرها. وتجزم مصادر قريبة من الحزب بأن «لا قرار سياسيًا في الحركة بالقتال ضد النظام. الذين يفعلون ذلك منطلقاتهم شخصية، ولا يمكن تحميل الحركة مسئولية ما يقوم به بعض عناصرها أو من قامت بتدريبهم».
إصرار «القسام» على المقاومة والتأكيد أنها النهج الوحيد لتحرير فلسطين، خصوصًا بعد عملية «عمود السحاب» العام الجاري، دفعت إيران إلى إعادة ترميم وتذخير مخزون حماس العسكري. وهذا الخيار أيضًا هو ما أبلغته قيادة القسام إلى من يهمه الأمر في طهران وحارة حريك، وقد وصلت أخيرًا رسالة إلى الحزب من «أبناء القسام»، أكدت فيها القيادات العسكرية، بحسب المتابعين، «تمسكها بالتعاون بين الطرفين»، وأن «الأموال القطرية لا تحرر فلسطين»، وأن «السلاح الإيراني هو الذي يحمي أبناء القطاع ويحرر الأراضي المحتلة». الرسالة أكدت لحزب الله أن «عسكر غزة» لم يخرجوا من عباءة المقاومة ولم تمسّهم الطائفية بأمراضها.

حماس في حضرة قائد فيلق القدس 
أخيرًا، سافر وفد من حماس إلى إيران لتقديم العزاء إلى قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني بوفاة والدته. قال رئيس الوفد محمد نصر كلامًا كثيرًا أمام المسئول عن ملف المقاومة في إيران. بعض زوار طهران يروون أن سليماني أبلغ وفدًا من الفصائل الفلسطينية ومن المعزين أنه اطّلع على مشكلات حماس في الأمكنة كافة، كما اطّلع على المناخ المستجد لدى قيادة حماس للبحث عن مقر جديد.

ويقول بعض من اطلعوا على مجريات اللقاء أن «سليماني طرح فكرة العودة إلى سوريا في حال أجرت الحركة مراجعة شاملة للمواقف التي اتخذتها في الفترة الماضية». وهذا، بحسب المتابعين للملف الحمساوي، ما بدأته الحركة بالفعل بعدما ثبت أن خيار خلع العباءة الفلسطينية والعودة إلى الجذور الإخوانية كان خاطئًا.

ويقول المتابعون إن «العودة إلى الجذور الفلسطينية» حتّمها تحذير «كتائب القسام» مسئولي الحركة من أنه لم يعد جائزًا السكوت عن مواقف المكتب السياسي المعارضة تمامًا لتوجهات «العسكر». وهو ما ظهر أخيرًا خلال كلمة لـ«الكتائب» خلال عرض عسكري في مخيم النصيرات، أُعلن فيها رفض أي ضربة عسكرية لسوريا.
وبالعودة إلى لقاء نصر وسليماني، تقول المصادر إن الأخير «اقترح على نصر أن تطرح حماس مبادرة على الاتراك لإقناعهم بأن العمل العسكري في سوريا لن يوصل إلى نتيجة، وبأن الحل السياسي هو ما سينهي الصراع». ويعتقد الايرانيون أن هذه المبادرة قد تلقى تجاوبًا من قبل الاتراك، لأن التجربة الأمريكية حيّة أمامهم. فقد وافق البيت الأبيض على المضي في تسوية سياسية بعد اقتناعه بأن أي عمل عسكري لن يوصل إلى حلّ. الحمساويون، من جهتهم، قد يتجاوبون مع هذا الاقتراح، لكن الاهم حاليًا بالنسبة إليهم، هو: الخروج من قطر.

حماس والشتات الجديد 
قبل سقوط الرئيس محمد مرسي، كان من المفترض أن ينتقل المكتب السياسي لحماس إلى الأردن. أبدى الملك عبدالله موافقته على إقامة «أبو الوليد» وأعضاء المكتب في عمان. ورغم إبلاغ الأجهزة الأمنية الاردنية الملك معارضتها لهذه الخطوة، بقي الأخير مصرًّا عليها، من أجل إرضاء الإخوان المسلمين في الاردن. لكن سقوط مرسي دفع الملك إلى التراجع بعد شعوره بأن انكسار شوكة الإخوان في مصر سينعكس على الإقليم كله.

حاليًا تبحث حماس عن ملجأ جديد لها يجعلها قريبة جغرافيًا من فلسطين. دول الطوق لا تستطيع تحمّل وجود المكتب السياسي لحماس على أراضيها. مصر، بالطبع، لن تستقبل «أبو الوليد» في ظل الاتهامات المصرية للحركة بعمليات تخريب في القاهرة. ولبنان غير قادر على تحمّل هذا العبء، إضافة إلى أن وجود الحركة على الاراضي اللبنانية سيحرجها نتيجة الانقسام السياسي الحاد فيه.

أما بالنسبة إلى سوريا، فهناك لائحة مطالب واضحة لاستقبال حماس مجددًا. «وأول الشروط العودة من دون أبو الوليد». هذا ما يؤكده مطلعون على المداولات. ويشير هؤلاء إلى أن دمشق يمكن أن تغفر كل أخطاء حماس، «ولكن لا يمكن أن تنسى ما فعله مشعل في زيارته الاولى ــــ وربما الأخيرة ـــــ لفلسطين، عندما رفع علم المعارضة السورية».

من جهتها، «عرضت إيران استقبال الحركة في طهران»، بحسب من حضروا لقاء سليماني ونصر، «ولكن هذا أمر مستبعد، على الأقل الآن، إذ يستحيل أن تخرج حماس، مباشرة، من الدوحة وما تمثله من مشروع إلى طهران وما تمثله من مشروع معاكس».

في ظل هذه المعطيات، تبقى الخرطوم الوجهة المقبلة الأكثر احتمالًا. أبناء السودان يعرفون حماس جيدًا. في الخرطوم تجري انتخابات المكتب السياسي، وهناك يجتمع أعضاء المكتب عادة. اختيار هذا البلد قد يكون لقربه النسبي جغرافيًا من فلسطين، وكذلك من ليبيا الإخوانية، وبذلك لا تكون حماس قد خرجت من جلدها كليًا. أضف إلى ذلك أنه من المعروف أن إيران انشأت لحماس مصانع أسلحة في السودان.

محاسبة مشعل؟ 
كان الشهيد أحمد الجعبري، القائد العسكري لكتائب القسام، والقيادي الزهار، من أبرز المعارضين لسياسة مشعل فخلال زيارة الأمير القطري حمد بن جاسم لغزة، «حاول الأخير إقناع الجعبري بضرورة التهدئة مع الإسرائيلي في الوقت الحالي، لأن الثورات في العالم العربي أوصلت الإخوان المسلمين إلى الحكم ويجب تمكينهم أكثر، وأن واقع الحال الآن أنه لا وجود لمقاومة ولا وجود لمفاوضات، والهدوء والتنمية هما الحل الافضل».

في تلك الجلسة خرج الجعبري من الجلسة معلنًا تمسكه بالمقاومة، وبعدها بيومين اغتيل. ومن يومها سرت الشائعات عن دور للاستخبارات القطرية في اغتياله.

أما الزهار، فله كلمته بين عسكر غزة، لأنه قدم أبناءه شهداء. بعد إعادة انتخاب مشعل رئيسًا للمكتب السياسي، حاول أعضاء المكتب «قصقصة» أجنحته داخل الحركة. لكن الرجل ظل متمردًا على المكتب السياسي بسبب رفضه أغلب المواقف التي صدرت عنه. وحاليًا هناك توجه داخل حماس، وصلت أصداؤه إلى إيران ودمشق، «يقضي بمحاسبة رئيس المكتب السياسي بسبب ما وصلت اليه حال الحركة»، بحسب أحد المتابعين. وفي حال تم ذلك وأقصي مشعل عن رئاسة المكتب، فستفتح صفحة جديدة في كتاب الحركة الفلسطينية.
الجريدة الرسمية