فى الذكرى الثانية للثورة
بعد ثلاثة أيام، أى يوم الجمعة ٢٥ يناير ٢٠١٣، تكون الثورة قد أتمت عامها الثانى.. وما بين اليومين، البدء والذكرى، جرت فى النهر مياه كثيرة، تضمنت من الأحزان والأوجاع أكثر مما حملت من الأفراح.. من المفيد أن نتذكر الآن الأهداف التى سعت الثورة إلى تحقيقها، حتى يكون التقويم موضوعيا.. لقد تلخصت الأهداف فى شعارات واضحة ومحددة، هى: عيش- حرية- عدالة اجتماعية- كرامة إنسانية..
العيش مرتبط بالعدالة الاجتماعية.. الأول يرمز إلى ضرورة توفير الخبز، وحل أزمة البطالة، وعلاج مشكلات التعليم والصحة والإسكان والنقل والمواصلات..إلخ. والثانية تعنى تحديد الحد الأدنى والأقصى للدخول، وليس للأجور، وصول الدعم لمستحقيه الفعليين، ووضع نظام ضريبة تصاعديا لمن يزيد دخلهم على حد معين.. للأسف لم تتخذ أى خطوة إيجابية، بل ازداد الأمر سوءا، ومصر مهددة بثورة جياع، ويبدو أن أهل الحكم غير مدركين لحقيقة الأوضاع.. إن الكل متفق على أن حل الوضع الاقتصادى المأزوم مرهون بشكل جذرى بأمرين اثنين، هما: الاستقرار السياسى والتعافى الأمنى، وكلاهما يعانى أزمة مستحكمة.. كلتا الأزمتين لهما أثرهما السلبى الكبير على عملية الإنتاج والنشاط السياحى والاستثمارات الخارجية والنقص المستمر فى الاحتياطى النقدى..إلخ.
الحرية والكرامة الإنسانية انقلبت إلى دم.. كان الخطأ الأكبر الذى وقعت فيه القوى الثورية، لحظة تنحية مبارك، أنها لم تتفق فيما بينها على مجلس رئاسى مؤقت لتولى السلطة ولا إعداد جمعية تأسيسية لكتابة الدستور، بل إنها تركت- غفلة منها- المجلس العسكرى كى يتولى إدارة البلاد.. جرى الاستفتاء على التعديلات الدستورية بمعاونة القوى المحافظة، ومنها التيار الإسلامى، ثم صدور الإعلان الدستورى الذى مكّن المجلس العسكرى من السلطة، وتم البدء فى إجهاض الثورة وإنهاك القوى الثورية.. سالت الدماء انهارا، وارتكبت مجازر وحشية فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء واستاد بورسعيد ومحمد محمود ٢ والعباسية.. وجرى طمس معالم الأدلة المتعلقة بقتل الثوار، كى يتم تدشين الاحتفاء بمهرجان "البراءة للجميع".. تم إلقاء القبض على ١٢ ألفا من المدنيين، وجرت محاكمتهم عسكريا.. من المؤكد أنه لولا الشهداء والجرحى، لما أجريت الانتخابات النيابية والرئاسية.
فى بداية تولى الدكتور مرسى المسئولية، وعد بالقصاص من القتلة والمجرمين وأخذ حق الشهداء، لكن شيئا لم يحدث.. وبعد شهر ونصف الشهر تقريبا، أصبح الطريق أمامه خاليا، بل أتيح له أن يجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.. لكنه عجز عن مد جسور الثقة مع أطراف الجماعة الوطنية، بل إنه أصدر إعلانا دستوريا معيبا أدى إلى تجزر الانقسام الحاد فى المجتمع، وضياع هيبة الدولة، والاعتداء على استقلال القضاء، وتغييب سيادة القانون..
تصاعدت حدة العنف والبلطجة والاحتراب الأهلى، وارتكبت مذبحة قصر الاتحادية ومحمد محمود.. وبشكل مباغت، أنهت اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور عملها، وتم الاستفتاء عليه فى ظل مقاطعة ٣٥ مليون مواطن يمثلون ٦٨٪ ممن لهم حق التصويت.
فى يوم الجمعة القادم، سوف تجتمع القوى الثورية فى ميدان التحرير لتأكيد نفس الأهداف: عيش- حرية- عدالة اجتماعية- كرامة إنسانية.. علاوة على القصاص للشهداء.. وأن الثورة ما زالت مستمرة..