رئيس التحرير
عصام كامل

درس يناير١٩٧٧


رغم مرور36 عاما على ما حدث فى 18و 19  يناير 1977، ما زالت أحداث هذين اليومين وما تلاهما من أيام ماثلة فى ذاكرتى، وآثارها غائرة فى نفسى ومحفورة فى عقلى.


قبل 18و 19  يناير كان التوتر الشعبى لا تخطئه عين.. مظاهرات.. اعتصامات..إضرابات.. احتجاجات انخرط فيها طلبة وعمال مصانع وسائقو الأتوبيسات، وأيضا محاولات اقتحام لأقسام الشرطة وهو ما سمى بالحوادث المؤسفة وقتها.

كان الغضب قد فرض سطوته على المجتمع، لزيادة المتاعب الاقتصادية، مع عدم تحقيق وعود الرخاء التى أطلقها نظام الرئيس السادات، فى أعقاب انتصار أكتوبر 1973، وبدء مسيرة الانفتاح الاقتصادى وتوطيد العلاقات مع أمريكا.

ورغم ذلك لم يكن أحد فى مصر كلها يتنبأ بما حدث فى 18و 19 يناير.. لا بين الحكام ولا بين المحكومين.. ولا بين المهتمين بالسياسة ولا بين الناس العاديين.

وهكذا عندما انفجر الغضب الشعبى فى 18و 19  يناير كان ذلك مفاجأة للجميع، حتى الذين شاركوا فى المظاهرات التى اندلعت فى جميع أنحاء مصر لكن الرئيس السادات الذى صدمته هذه الاحتجاجات العارمة تعامل معها على أنها انتفاضة حرامية ومؤامرة مدبرة من اليسار للإطاحة بنظام حكمه، وهكذا وجدت نفسى واحدا من المتهمين بتهيئة المناخ لأحداث يناير وعمليات التخريب والحرق التى شابتها.. لكننى نجحت فى الإفلات من السجن الذى اقتيد إليه نحو ألفين من المواطنين، بعضهم صبية صغار.. ومنذ يوم 21 يناير 1977 عشت تجربة اختفاء صعبة لكنها غنية جدا حياتيا، استمرت ثلاث سنوات وثلاثة أشهر.. عشت خلالها مطاردا، وبلا عمل منتظم، بعد فصلى من عملى فى روزاليوسف، حتى صدر الحكم التاريخى للمستشار الجليل المرحوم منير صليب فى قضية 18و 19 يناير، وهو الحكم الذى فضح أكذوبة انتفاضة الحرامية، وأكد أن ما حدث فى هذين اليومين بالفعل انتفاضة جماهيرية.

لقد دفعت الثمن الباهظ راضيا أنا والراحلة زوجتى نعمت ابنة البطل يوسف صديق، التى أصرت رغم ظروف المطاردة الأمنية على إتمام زواجنا والحياة معا بأقل القليل.. وساعدنى على ذلك تعاطف وتأييد ومناصرة كثيرين.. أقارب وأصدقاء وزملاء وحتى غرباء.. وهذا هو الدرس المهم الذى يتعين أن يتعلمه أى ثورى أو مناضل يسعى لتغيير بلده، وينشد أن ينهض به..

أما الدرس الآخر فهو أن أى عمل احتجاجى غير مكتمل دائما ما يقضى إلى الأسوأ.. ففى 18و 19 يناير تراجع السادات مضطرا وألغى قرارات رفع الأسعار حتى تهدأ الاحتجاجات.. لكن ما حدث بعد ذلك كان كارثيا، حيث سافر السادات إلى القدس، ثم ربطنا بكامب ديفيد، وقبلها كان قد أجهز على الانفراجة الديمقراطية المحدودة بعدة قوانين استثنائية.. فهل يعى ثوار اليوم ذلك، خاصة أن منهم من ساهم بدور مؤثر فيما آل إليه الحال فى البلاد الآن بعد 25 يناير؟


الجريدة الرسمية