"السعن".. تراث بدوي أصيل تتوارثه الأجيال
"السعن" من مفردات الحياة البدوية قديما وحديثا، فلا يخلو منزل من منازل أهل البادية إلا وفيه السعن، خاصة من يمتلكون رؤوسا من الأغنام والدواب.
والسعن في اقرب وصف له أشبه بالقربة، فالقربة تكون لحفظ المياه، اما السعن ففيه تتم عملية تحويل اللبن الحليب إلى لبن رائب عن طريق رج "خض" اللبن الحليب داخل السعن بعد تعليقه بـ"الرواجيح" وهي عبارة عن ثلاثة قوائم خشبية من جريد النخل متصلة من الأعلي على شكل هرمي.
ويسمي البدو من أهالي سيناء اللبن الرايب بـ "الخضيض" لأنه خض "رج " في السعن عدة مرات متتالية لمدة قد تصل إلى ساعة كاملة ليتحول من لبن حليب إلى حامض أعلاه سمن، ثم تقوم "الخضاضة " السيدة البدوية التي تقوم بعملية الخض باستخراج الزبدة والحامض "الشنيشة أو المخيض"، ثم توضع الزبدة بعد تسييحها على النار وتقليبها عدة مرات في سعن اصغر يسمي "العكة".
ومن الممكن شرب الحامض " الرايب " أو تحويله إلى "جميد " يوضع في كيس يسمى مطر بكسر الميم، هذا الجميد عندما يتم تنشيفه وإعادة هيكلته على شكل كرات يسمى عند بعض البدو "العفيق "، وهو يستخدم في المناسف " اكلة بدوية " بعد مرسه.
ويقوم البدو بصناعة " السمنية " وهي أكلة شهيرة عند البدو، حيث يفت الخبز الطازج باللبن الخضيض ويوضع السمن فوق الخبز المفتوت باللبن ويقلب عدة مرات باليد، ثم يؤكل، ومن الممكن أن يشرب الخضيض مباشرة بعد عملية الخضيض.
ويصنع السعن من جلود الأغنام عامة وإن كان يفضل الصغير منها ويصلح الكبير، وكان الأجداد في الماضي يستخدمون جلود الغزلان والظباء في عملية الصناعة والتي تتم بسلخ جلد الشاة سلخًا يراعى فيه الدقة وينظف الجلد من بواقي اللحم، ثم بعد ذلك تعمل الخلطة الخاصة وهي عبارة عن ماء وملح وتمر وتسمي " مريس ".
ويعبأ الجلد بهذه الخلطة ويغلق ويربط ويدفن بالرمل لمدة قد تصل إلى ثلاثة أيام أو أكثر أو اقل .. بعد ذلك يتم إخراج الجلد وقد بدأ الصوف بالتساقط ويتم إزالة الصوف بمنتهي السهولة بسبب الخلطة السابقة، ويفرغ الجلد من المحتوى وينشف ثم يدبغ ، ويتكون الدباغ من نبات القرط وأوراق الأثل وبعض عروق السلم " نبات بري " وهو يختلف من مكان إلى آخر وكل قبيلة ولها طريقتها في ذلك.
وتطبخ المكونات السابقة في قدر حتى تغلي ثم بعد ذلك تترك لتبرد ثم يوضع الجلد فيه لمدة تتراوح من يوم إلى يومين ويخلل حتى يتشارب من الدباغ ثم يؤخذ وينشّف، ليصنع منه الصميل، السعن، السقاء، القربة، العكة أو البدرة.
فالصميل أو السعن يستخدم للحليب أو الماء، والقربة أو البدرة للماء، والبدرة تختلف أن فيها عملية خرازه " خياطة "الجلد ومماسكها من كرعان الذبيحة، والسقاء للبن واستخراج اللبن، والعكة للسمن.
وبقي أن تعرف أن كثيرا من البدو استعاضوا عن السعن بالخضاضة، وهي آلة تعمل بالكهرباء كبديل للسعن.