السقوط التاريخى لمشروع الإخوان المسلمين!
التخبط الشديد فى قرارات قيادات الإخوان المسلمين -من سقط منهم فى قبضة الأمن متهمًا بالتحريض على العنف والإرهاب ومن لم يسقط- دليل مؤكد على الانهيار الكامل لمشروع الإخوان المسلمين.
وقد انعكس هذا الانهيار المدوى على سلوك القيادات الوسطى لجماعة الإخوان وقواعدها الجماهيرية فى السلوك الفوضوى التخريبى الذى تمارسه كل يوم؛ احتجاجًا على عزل الرئيس المخلوع، وتعطيل العمل بالدستور الإخوانى، والنجاح الساحق للموجة الثانية للثورة فى 30 يونيو والتى قادتها بنجاح ثورى ملحوظ قيادات حركة "تمرد".
ليس ذلك فقط، ولكن هذا السلوك الفوضوى هو رد فعل لانحياز القوات المسلحة للإرادة الشعبية الكاسحة والتى تمثلت فى خروج عشرات الملايين لإسقاط الحكم الإخوانى المستبد.
وليس أدل على ذلك من التظاهرات اليائسة التى يتناقص كل يوم عدد المشاركين فيها من المخدوعين بالشعارات الكاذبة من قواعد جماعة الإخوان، ليس ذلك فقط، ولكن فى الأفكار الصبيانية التى تدل على الإحباط الشديد، مثل دعوة القيادات الفاشلة لأتباع الجماعة فى ركوب المترو طوال النهار وعدم النزول منه، لإحداث ربكة شديدة فى تنقلات الجماهير، ما من شأنه أن يثير سخطا على قادة النظام الجديد!
أو تنظيم مظاهرات شاردة فى الشوارع ترفع الشعارات الزاعقة أو تسب الجيش وقياداته، ما يجعل المواطنين العاديين يطاردونها ويقذفونها بالطوب والحجارة، وتحدث مصادمات دامية يسقط فيها جرحى كثيرون نتيجة طبيعية لموجات التخريب الإخوانى المتعمد.
ومما لا شك فيه أن نوبات الهستيريا التى أصابت قيادات وجماهير الإخوان لا تُرد فقط إلى فشلهم السياسى الأكيد فى إدارة شئون البلاد، وعجزهم الفاضح عن السيطرة على مؤسسات الدولة لخدمة أغراضهم الخبيثة، ولكن لإدراكهم العميق -حتى لو لم يعترفوا بذلك- أن مشروع الجماعة الذى استمر الترويج له أكثر من ثمانين عامًا متصلة ولقوا فى سبيله الويلات قد سقط نهائيًا بالمعنى التاريخى للكلمة.
وحين نتكلم عن السقوط التاريخى لأيديولوجية عالمية تزعم أنها وحدها الكفيلة بحل مشكلات البشرية، وأن غيرها من الأيديولوجيات لن تنجح فى ذلك إطلاقًا، فإن هذا السقوط لا بد أن يترتب عليه زلزال سياسى ضخم من شأنه أن يسقط القادة الذين روجوا لهذه الأيديولوجية من كراسى السلطة أو الزعامة، ولا يجدون لهم مكانًا إلا فى مزابل التاريخ!
خذ أبرز مثال على هذا السقوط التاريخى، انهيار الاتحاد السوفيتى، والذى كان فى لحظة ما يتزعم إمبراطورية عظمى ترفع لواء الشيوعية، التى زعم دعاتها أن فى تطبيقها الحل النهائى لمشكلات البشرية.
لقد أدى السقوط التاريخى للأيديولوجية الشيوعية إلى آثار سياسية وفكرية بعيدة المدى أثرت فى التاريخ العالمى المعاصر وقلبت موازين القوى فى العالم.
ولا شك عندى أن هناك شبها بين سقوط الشيوعية وسقوط الإسلام السياسى الذى ابتدعته وروجت له جماعة الإخوان المسلمين منذ ثمانين عامًا.
ولا شك أن هذه الجماعة بمشروعها غير الواقعى والذى يتمثل فى استخدام العنف والإرهاب لقلب الدولة العلمانية وتأسيس الخلافة الإسلامية من جديد، استطاعت أن تجذب مئات الألوف من الأنصار فى عشرات من بلاد العالم.
وهؤلاء الأتباع الذين تربوا على عقيدة السمع والطاعة صدقوا مزاعم قادة الجماعة بأنهم بعد استعادة الخلافة الإسلامية سيكونون أساتذة العالم!
ومن هنا يمكن القول، إن حركات الإسلام السياسى التى كانت تمثل خطرًا ماثلًا على عشرات النظم السياسية فى العالم قد تلقت ضربة قاصمة حين خرجت جماهير الشعب المصرى فى 30 يونيو لإسقاط حكم الإخوان المسلمين.
وقد أدى هذا السقوط المدوى إلى بداية الانهيار الواسع المدى لمعسكر الإرهاب الإسلامى ولأجنحة التطرف الدينى، ومن هنا الردود العصبية للولايات المتحدة الأمريكية وللاتحاد الأوربى ولدول مثل تركيا وقطر، لأن المشروع الاستعمارى الخاص بالشرق الأوسط الجديد والذى اكتملت حلقاته بتولى الإخوان المسلمين الحكم فى مصر وبداية تنفيذه من خلال تقسيم مصر وإضعاف القوات المسلحة وتفتيت المجتمع المصرى، قد سقط ودفن إلى الأبد!
وهكذا يمكن القول إن عبقرية الشعب المصرى التى تجلت فى 30 يونيو وما تلاها من أحداث ثورية هى التى أدت إلى السقوط التاريخى لمشروع جماعة الإخوان المسلمين، ما يجعل عودتها مرة أخرى إلى الحكم فى مصر مسألة مستحيلة!