"الخمسين" تتحدى ألغام الإسلاميين بعد حظر الأحزاب الدينية.. السيد: خلط الدين بالسياسة العام الماضي أفسدهما... الجمل: الأحزاب على أساس ديني يهدد الوحدة الوطنية..الطاهر: يجب حل "النور" و"البناء والتنمية"
في الوقت الذي لا تزال فيه لجنة الخمسين لتعديل الدستور مستمرة في عملها، فقد قابلتها في الساعات الماضية موجة عاصفة من الانتقادات من جانب رموز التيار الإسلامي، والذين اعتبروها كشفت عن وجهها العلماني والليبرالي، بعد قرار حظر تأسيس الأحزاب على أساس ديني.
أعلن المتحدث الرسمي باسم لجنة الخمسين لتعديل الدستور محمد سلماوي، أن لجنة نظام الحكم قررت تعديل المادة "54" والمتعلقة بتكوين الأحزاب، والتي تنص على أنه "للمواطنين حق تشكيل الأحزاب السياسية بإخطار ينظمه القانون"، وتمت إضافة جزء جديد فيها وهو أنه "لا يجوز قيامها ولا مباشرتها لنشاط سياسي على أساس ديني أو ممارسة نشاط سري أو معاد لقيم الديمقراطية أو ذي طابع عسكري أو شبه عسكري ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائي.
وقابل تلك التصريحات قيادات الأحزاب الإسلامية كالنور والبناء والتنمية بأن أحزابها ليست قائمة على أساس ديني، وإنما هي ذات مرجعية دينية وتطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، وهو الأمر الذي رد عليه عدد من القانونيين الذين فسروا مفهوم "النشاط الديني" والذي يجب أن يعتمد عليه الدستور المعدل.
ويقول الدكتور شوقي السيد، الفقيه الدستوري والقانوني: إن إقرار لجنة الخمسين لتعديل الدستور بحظر إقامة الأحزاب على أساس ديني يعتبر قرارا صائبا، خاصة أنه يحل أزمة عاناها المصريون في العام الماضي وهي دخول الدين في السياسة، بما أدى إلى إفسادهما معا، كما أنه يعيد إلى مصر مبادئ محمد عبده الذي رفض الأحزاب الدينية، وأكد أنها تكون مدنية على أساس المواطنة.
وتعليقا على تصريحات بعض المسئولين في أحزاب النور والبناء والتنمية بأن أحزابهم ليست دينية، قال إن "القرار ليس قرارهم وإنما الأمر بيد الجهات المسئولة، والتي تتابع برامج الأحزاب وأنشطتها بعد إقرار الدستور، حتى يتم حل أي حزب يخالف مواده حتى وإن كانت أحزابا قائمة بالفعل".
وتابع السيد أن تفسير النشاط الديني في الدستور يكون بأن ممارسة أي عمل سياسي على أساس الدين والترهيب من النار والترغيب في الجنة بربط الدين بالعمل السياسي، مؤكدا أن برامج الحزب هي الأساس في تحديد النشاط الديني.
وأكد الفقيه القانوني والدستوري عصام الإسلامبولي أن قرار لجنة الخمسين سليم، ويمنع تكرار أزمات العام الماضي حيث أكد أهمية فصل الدين عن السياسة، حتى لا تتكرر تجربة حكم الإخوان المسلمين، مشيرا إلى أن من يرد العمل في الدين فليبتعد عن السياسة.
وأضاف أن الحظر يجب أن يشمل الأحزاب القائمة على أساس ديني أو مرجعية دينية، حتى نحسم الجدل الذي يحاول البعض إدخالنا فيه، خاصة بعد تصريحات بعض المسئولين في أحزاب النور والبناء والتنمية بأن أحزابها ليست دينية وإنما ذات مرجعية إسلامية، حتى يتمكنوا من الهروب من مصير الحل إذا ثبت عليهم خلط الدين بالسياسة.
وشدد على أن مفهوم النشاط الديني يجب أن تدخل فيه الدعوة، والتي استخدمها البعض سابقا للترويج للأحزاب والشعارات السياسية من خلال اللقاءات الدعوية التي تعقد في المساجد، لما في ذلك من تسخير صريح للدين من أجل مصالح حزب سياسي معين.
وعن وضع الأحزاب الدينية القائمة حاليا بعد إقرار الدستور، قال الإسلامبولي: إن هذه الأحزاب سيكون أمامها فرصة لإعادة تقييم أوضاعها من خلال تعديل برامجها وأنشطتها فعليا، وليس فقط بتصريحات قادتها حتى تتجنب الحل.
رحب المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة السابق، بالقرار وأكد أن الأساس في هذا القرار يرجع إلى أن الدين الإسلامي من حيث العقيدة والعبادات أمر لا يختلف عليه، في حين أن الجدل يكمن في مسألة تطبيق الشريعة، نظرا لتعدد المذاهب الإسلامية السنية والشيعية.
وأوضح أن الأحزاب التي تقوم على أساس ديني سوف تعكس هذا الاختلاف في المذاهب، وسيكون هناك تصادم فيما بينها في مجال الدعوة، مشيرا إلى أنه إذا سُمح بإقامة أحزاب إسلامية فمن باب المساواة يجب أن يسمح بإقامة الأحزاب المسيحية، والتي ستواجه نفس المشكلة بسبب تعدد المذاهب، وهو الأمر الذي سيدخل البلاد في حالة من التخبط الديني بين المسلمين وبعضهم والمسيحيين وبعضهم، والمسلمين والمسيحيين مع بعضهم البعض بما يهدد الوحدة الوطنية.
تابع الجمل أن الدستور يجب أن يحدد مفهوم النشاط الديني بأنه الدعوة إلى مبادئ الشريعة الإسلامية على أساس مذهب معين في إطار العمل السياسي، مشيرا إلى أنه إذا تم إقرار الدستور الجديد فيجب على الأحزاب الدينية القائمة حاليا كالنور ومصر القوية أن تُحل وتتحول إلى جماعات دعوية أو أحزاب مدنية لها برامج سياسية واقتصادية.
ووصف اللواء عمر الطاهر، وكيل اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس الشعب السابق، بأنه قرار يحقق أهداف الثورة، وأشار إلى أن ثورة يناير قامت للمطالبة بالدولة المدنية وعدم تسييس الدين، وبالتالي فالقرار جاء انتصارا للثورة.
وأضاف أن تاريخ الإسلام السياسي يؤكد أنه أمر خطير وقاتم على المجتمعات، خاصة أنه أمر يفسد السياسة وكذلك الدين، مؤكدا أنه إذا تم إقرار الدستور يجب حل جميع الأحزاب التي تخالف في برامجها وأنشطتها مبدأ الدستور في حظر خلط الدين بالسياسة، وهو الأمر الذي من المتوقع أن يحدث على أحزاب قائمة بالفعل كالنور والبناء والتنمية.
وأكد الطاهر أن الدستور يجب أن يحدد مفهوم النشاط الديني بأنه المقصور على النشاط الدعوي وتأثيره على المجتمع، بحيث يقتصر هذا التأثير على الجوانب الحياتية في نشر الرحمة وأخلاق الإسلام، بعيدا عن السياسة أو تفضيل حزب على آخر على أساس استعمال الدين.