"حماس".. السير عكس الاتجاه
عادة ما تخسر حركة حماس كل رهاناتها، وعادة ما تعود بخيبة أمل عقب كل رهان، وعادة ما تحتضن مصر كل الفصائل الفلسطينية مهما جنحت وهذا هو مربط الفرس، راهنت حماس بكل ما تملك على جماعة الإخوان المسلمين، ليس لأنها أصبحت صاحبة سلطة ولكن لأن الارتباط التنظيمى أوثق من أي ارتباط آخر، ارتباط الحركة بالجماعة أوثق من ارتباط الحركة بمصر الوطن، وقد يكون أسبق على قضية التحرر الوطنى، من أجل ذلك لم تخجل الحركة من استعراضات جناحها المسلح رافعا إشارات تقف إلى جانب القلة التي لفظها الشعب، واختارت الحركة أن تخاصم شعبا دفع من دماء أبنائه الغالي والثمين، ودفع المواطن البسيط من قوت يومه ما لم يضن به على قضية التحرر وتحرير الأقصي قديما وحديثا.
ومصر عندما اختارت مواقفها من القضية الأم، قضية فلسطين، لم يكن لديها خيار آخر بحكم الجغرافيا والتاريخ، وهو ما تدركه حركة حماس، وقادة الحركة لديهم تصورات في معظمها منقوصة تتشابه إلى حد كبير مع تصورات الجماعة الأم عن الشعب المصرى، ففي الوقت الذي كان التمرد الشعبي يتنامي في الشارع المصري تصور محمد مرسي ورفاقه أن هذا الشعب يمكنه مرة أخرى أن يتجرع من نفس الكأس السابق لهم، واعتقد بعضهم أو من بيده الأمر داخل الجماعة أن قدراتهم القتالية وتنظيماتهم السرية وميليشياتهم المسلحة قادرة على ردع هذا الشعب … خابت ظنونهم وساء ما كانوا يفعلون.
يظن بعض قادة حماس أن رفع وتيرة الأحداث الإرهابية بسيناء، قد يدفع الجانب المصري إلى مد يد التعاون لتخفيف حدة العنف، باعتبارهم أحد أهم مصادره، ويظن آخرون أن بيدهم ورقة توجيه أسلحتهم تجاه الكيان الصهيوني ليس من قبيل تحرير الأرض ولكن من قبيل إحراج النظام المصرى، فالمصريون لا يمكنهم التخلي طواعية ولا إجبارا عن دعم غزة، وجر شكل إسرائيل من شأنه وضع العلاقات المصرية الإسرائيلية على المحك، وهو ما يضع النظام المصري في حرج بالغ.
تلك المعادلة خبيثة المضمون ونتائجها معروفة سلفا، فالمواطن المصري اليوم يقف حائرا بسبب موقف حماس واستعراض السلاح ضد مصر، غير أنه يعلم تماما كيف يقف وأين يقف وإلى من يوجه سهامه؟ إضافة إلى أن الموقف العربى الداعم لمصر مع الأخذ في الاعتبار الموقف الشعبى المصري الداعم للنظام الجديد مع تحول في الموقف الدولى تجاه ما يدور على أرض الواقع في حربنا ضد الإرهاب.. كل هذه العوامل تؤكد ترجيح حصار حماس وخسارتها الرهان.
وإذا ما نظرنا إلى هذا العته الإعلامي الذي تقوم به الآلة الإعلامية الحمساوية تجاه الشعب المصرى، وإعلان المتحدث الرسمي العسكري المصري بعض ما لديه من معلومات، ندرك جميعا أنها نقطة ماء في بحر من الإجرام والتورط سندرك إلى أين تتوجه بوصلة النظام المصرى، خاصة أن البسطاء في مصر قبل الخبراء يدركون أن لحظة من الغفلة في معركتنا ضد الإرهاب يعني تسليم الدولة المصرية إلى فوضي سوريا وخراب ليبيا وطائفية العراق.
المعركة فاصلة ولا هزار فيها، وما كان يحتمل بالأمس أصبح من غير الوارد الصمت عليه لحظة واحدة، وإذا كانت حماس قد خسرت حزب الله بدعمه اللامتناهى وخسرت سوريا التي احتضنت قادتها لسنوات طوال وخسرت الخليج العربي بسبب مراهنة ساذجة، فإن خسارتها لمصر ستكون بمثابة نهاية حتمية للحركة ووفق اختيارها ورهانها.
العقلاء داخل الحركة، وهم كثر، يدركون أن النقطة الفاصلة في علاقة مصر بحماس باتت وشيكة، ويعلمون جيدا أن خسارة مصر ليست كخسارة أي لاعب بالمنطقة، فمصر هي التي حافظت طوال تاريخها على البقاء على نفس المسافة من كل التيارات الفلسطينية، والشعب المصري الذي ضحى يدرك أن غزة ليست حماس والعرب جميعهم يدركون أن ما كانت تحصل عليه حماس من تعاطف عربى على وجه العموم ومصرى على وجه الخصوص، إنما استمد شرعيته من مسمى المقاومة، ذلك المسمي الذي أصبح مجرد سطر في تاريخ الحركة بعد أن باركت مع جماعة الإخوان في عهد مرسي فكرة حماية أمن إسرائيل ووافقت على إطلاق مصطلح الأعمال العدائية على كل فعل مقاوم، وباتت تطارد كل التيارات التي تؤمن بالمقاومة سبيلا لتحرير فلسطين.
إذن حماس هي التي تحاصر حماس، وقادة حماس يديرون أخطر "جيم" ضد الحركة وتقامر دون وعى بمستقبلها في وجدان الشعب المصرى قبل أن تقامر على شرعيتها التي استمدتها من مصطلح المقاومة الذي أصبح مجرد ذكرى.
وتاريخيا لم ينتصر الإرهاب على دولة تمتلك من أسباب الإرادة ما يجعلها تعيد الكرة تلو الكرة لتضرب مثلا للمجتمع الدولى في نجاحها إزاء مواجهة الإرهاب.. نجحنا بالأمس وقادرون على النجاح اليوم.. دعمنا القضية الفلسطينية بالأمس وقادرون على دعمها غدا وبعد غد.. دعمناه قبل أن تكون حركة حماس وجودا على الأرض وقادرون على دعمها بعد اختفاء حماس من الأجندة المصرية!